بعد عملية “الجرف الصامد” أردت المساعدة. لا أن أحقق السلام في الشرق الأوسط- بل تقديم القليل من المساهمة. أردت أن أنظم للغزيين ولمن حولهم مشاهدة النجوم التي فوقهم. لم هكذا بالذات؟ لأنني أومن أنه لا قيمَ عالمية من دون الكون الكبير، ولا سلام بلا تواضع.
لذا أرسلت بريدًا إلكترونيًّا إلى “فلكيون بلا حدود” (لا عجب إذا أخذنا بالاعتبار أن هناك “بيطريين بلا حدود”، “صيادلة بلا حدود”، بل “ذروة النشوة الجنسية بلا حدود”). فورًا وصلني بريد إلكتروني من مايك سيمونس، مؤسس ورئيس المنظمة. بحث سيمونس، يهودي متحرر، عن شريك إسرائيلي لربطه بمجموعة الفلكيين محبي السلام والسماء في غزة. خططنا معًا لإرسال 100 تلسكوب للقطاع و 100 تلسكوب لسديروت وإقامة حفلة مشاهدة نجمية Virtual Star Party، تأمل مشترك في الخلق.
لقد أوضح المنسقون أن الطلب يجب أن يكون من الفلسطينيين. حصار متنور. ومن يعرف ماذا يريد الفلسطينيون؟
إلا أنه لا يمكن إرسال الأشياء إلى غزة. عرفت مسبقًا أنه لا يمكن إرسال الأشياء إلى غزة، إذ أن غزة واقعة تحت حصار إسرائيلي مصري. لكن بما أنني لم أحاول إرسال أي شيء لغزة، لم أدرك أنه لا يمكن القيام بذلك. لذا توجهت لإدارة التنسيق والربط للجيش وسألت كيف يمكن إرسال الأشياء لغزة. لقد أوضح المنسقون أن الطلب يجب أن يكون من الفلسطينيين. حصار متنور. ومن يعرف ماذا يريد الفلسطينيون؟ رائد يعرف. نعم، رائد لا غيره، مندوب اللجنة المحلية الفلسطينية في غزة، مؤتمن على إرادة 1.8 مليون شخص.
لذا اتصلت برائد. لكن رائد لا يتحدث العبريّة، وكذلك بالنسبة للإنجليزية فكان صعبًا عليه أن يفهم حديثنا وما إذا كنا نريد إرسال تلسكوب أو ميكروسكوب. لذا فقد وجهني رائد لمساعده، شخص اسمه سمير. لكن سمير أوضح أن رائد فقط وحده بجلالة قدره مخوّل بطلب البضائع باسم الشعب الفلسطيني.
اقترح سيمونس أن نطلب من الفلكيين الغزيين أن يطلبوا من رائد أن يطلب التلسكوب. لكن الفلكيين الغزيين خافوا، وحقًا، أن الطلب سيثير شكوك تنظيم حماس حولهم
إنه وزير الخارجية، وزير التجارة ووزير التطوير الإقليمي للدولة في القطاع. حاولت مرة أخرى مع رائد. مِن جديد وجهني لسمير. نجحت في النهاية بالحصول على عنوان بريد إلكتروني، وقدّم مايك سيمونس طلبًا رسميًّا من “فلكيون بلا حدود” لمندوب اللجنة الوطنية الفلسطينية في غزة. الإجابة الرسمية لم تصل إطلاقًا. مع أسفه الشديد، اقترح سيمونس أن نطلب من الفلكيين الغزيين أن يطلبوا من رائد أن يطلب التلسكوب. لكن الفلكيين الغزيين خافوا، وحقًا، أن الطلب سيثير شكوك تنظيم حماس حولهم.
رفض اليساريّون غير الصهيونيين المساعدة بدعوى متعالية أن غزة بحاجة لترميم مادي لا لتسلية ترفيهية
بأنهم ظلوا مع الجانب الإسرائيلي لمعسكر السلام. كيساري، لدي غير قليل من الأصدقاء اليساريين في المنظمات اليسارية، قد تمنيت أن تكون هذه اليسارية مفيدة في نهاية المطاف. لكن الأصدقاء اليساريّين رفضوا المساعدة. لقد رفض اليساريّون الصهيونيون المساعدة خوفًا من أن تصادر حماس التلسكوبات وتطلقها من جديد كصواريخ (وهو خوف مبرر حسب رأيهم، ولكنها تلسكوبات من البلاستيك معدّة للأطفال)، بينما رفض اليساريّون غير الصهيونيين المساعدة بدعوى متعالية أن غزة بحاجة لترميم مادي لا لتسلية ترفيهية.
لحظةً قبل أن أرفع يدي وكأنني لا أهتم، رأيت في صفحة فيس بوك منشورًا يبشر بنجاح “حملة سميح القاسم”. تبين لي أن الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة ورابطة الشبيبة الشيوعية الإسرائيلية، قد أرسلتا في نهاية آب 1,200 حقيبة مدرسية لأطفال القطاع لذكرى الشاعر الدرزي. مرحى! لذا سألت سكرتير رابطة الشبيبة الشيوعية الإسرائيلية، أمجد شبيطة، كيف نجحوا في إدخال البضاعة. وجهني أمجد اللطيف إلى وزارة الزراعة لحكومة السلطة في رام الله. لماذا بالذات إلى وزارة الزراعة لحكومة السلطة؟ غير واضح. وإلى أين وجهوني من وزارة الزراعة لحكومة السلطة؟ نعم صحيح، إلى رائد!
باختصار، أقول وبشدة (ها قد قلت). ما زلت أؤمن أن الكون هو الإجابة القاطعة للهويات المفرقة التي أوجدها بنو الإنسان وتبنوها، لكن بعد شهرين من محاولات السلام الفاشلة يبدو لي أن غزة تقع في كون مقابل.
نُشر المقال للمرة الأولى في موقع هآرتس