في وسط تل أبيب، بين أبراج عالية وطرق سريعة، وقرب الثكنة العسكرية أفور، يمكن العثور على لؤلؤة خضراء، ذات أشجار مثمرة، مساحات خضراء شاسعة، مقاه عصرية، أحواض أسماك مزينة بأزهار مائية، محلات لمصمّمين، ومطاعم مرموقة.
هذه “اللؤلؤة” الخضراء هي سارونا – مستعمرة تمبلرية، أسسها الحجاج الألمان قبل أكثر من مائة عام. شُيدت المنازل الصغيرة والخلابة، وتحولت إلى متاجر، مقاه، ومطاعم. تُزين نباتات مشذّبة المساحات الزراعية القديمة، وقد عُبِدَت طرق للمشي فقط بينها. المجمع كبير ويقع في قلب المدينة، ولا تسير فيه السيارات، ويبرز فيه الهدوء والحرية.
يمنح أسلوب المنازل، التصميم المعماري والحضري، الجهد المبذول في المجمع، والحدائق المشذّبة، إلى جانب محلات المصممين لأسماء كبرى في عالم الأزياء، شعورا وكأنه يقع في مدينة أخرى سوى تل أبيب، مثلا في متنزّه في عاصمة أوروبية معينة. نجح تصميم المجمع المخطط بحرص في إنشاء وهم وانفصال مثاليين، ولكن الطقس الحارّ واللافتات بالعبرية هي التي تعرقل تحقيقهما.
أقيم في المجمع منذ مدة قصيرة سوق طعام كبير وعصري، وفيه مجموعة متنوعة من المطاعم والمتاجر لبيع المنتجات الغذائية الفريدة والفاخرة. يزور المجمع الكثير من الزوار، ولا سيما، في ساعات الظهيرة والمساء، وأصبحت المنطقة كلها مركزا لجذب السياح، من إسرائيل ومن العالم كله.
اعتاد سكان تل أبيب على التندّر، والقول إنّه “في سارونا لا يوجد تل أبيبيون”، لأنّ الحديث يدور عن مكان اصطناعي جدا، مخصص لجذب السياح، وليس السكان المحليّين. ومع ذلك، يجتاز الكثير من السكان المحليين المجمع بالدراجات الهوائية أو مشيا وهم في طريقهم إلى عملهم في أماكن مختلفة في المدينة. يصل المحامون، مدققو الحسابات ورجال الأعمال الذين يعملون في الأبراج المجاورة إلى المجمّع لتناول وجبة الغداء أو لقاء زبون في اجتماع عمل في مقهى.
ولكن انفجرت هذه “الفقاعة الأوروبية” في قلب تل أبيب أمس تماما، عندما قام اثنان من الجالسين في مقهى صاخب ومزدحم بالناس، وهما يرتديان بدلتين، وبدآ بإطلاق النار من كل حدب وصوب. كما في أكبر الكوابيس، أو في فيلم رعب، أصبح المقهى ساحة قتل دامية. لقد اخترقت الصمت الهادئ الطلقات، صرخات الرعب، وبعد ذلك صفارات سيارات الإسعاف والشرطة التي سارعت في الوصول إلى المكان.
سرعان ما امتلأ المجمّع بمئات عناصر الشرطة التي وضعت حوله أشرطة ذات ألوان ساطعة، واكتظّ بالصحفيين، والمواطنين الذين تجمّعوا لمحاولة الحصول على المعلومات. يبدو أنه سيمر وقت طويل حتى يعود السيّاح والمترفّهون لزيارة هذا المجمّع السياحي المستَثمَر، ولكن حتى عندما يحدث ذلك، لن يظنّ أحد للحظة أنّه مجمع في أوروبا، وإنما سينظر خلفه، ليفحص إذا ما كان آمنا. ومع ذلك، فنحن في الشرق الأوسط.