يقول محلّلون سياسيون إسرائيليون كثيرون إنه لو لم يكن نفتالي بينيت متديّنا ومتماهيا مع المستوطنين، كان سيشكل تهديدا كبيرا على نتنياهو. يبلغ بينيت 45 عاما فقط، ويُعتبر إحدى الشخصيات الأكثر موهبة بين السياسيين الإسرائيليين، حيث يحمل في جعبته سنوات من العمل كمقاتل وضابط في وحدات مختارة في الجيش الإسرائيلي (وحدة “سرية هيئة الأركان العامة” ووحدة “ماجلان”)، وخبير بمجال صناعة الهايتك حيث ساهم في أن يصبح مليونيرا في سن صغيرة جدا، بعد أن باع إحدى شركاته في الولايات المتحدة الأمريكية. رغم هذه التفاصيل، يعتبر بينيت في إسرائيل، وفي العالم الغربي والعربي بشكل أساسيّ سياسيا متطرفا جدا في حكومة إسرائيل. يعود ذلك طبعا إلى حزب “البيت اليهودي” الذي يرأسه حيث يمثل المستوطنين والمتديّنن وفق ما يمكن ملاحظته من اسم الحزب.
شق بينيت طريقه السياسي من خلال عمل مشترك مع نتنياهو، إلا أنهما انفصلا وأصبح بينيت اليوم يشكل تهديدا سياسيًّا كبيرا على رئيس الحكومة الإسرائيلية، وتأثيرا كبيرا في إسرائيل. لذلك اعتقدنا أن قراءنا في العالم العربي يهتمون بآراء بينيت.
أجرينا المقابلة معه عندما كان في الولايات المتحدة، حيث أجرى، من بين لقاءات أخرى، لقاءات مع كبار المسؤولين في إدارة ترامب، استعدادا لزيارة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية إلى إسرائيل. قال بينيت “أشعر أن ترامب عازم جدا على صنع السلام”. و “هو مصر على ذلك”.
هل تشكل هذه الفكرة تهديدا أم سلاما؟
بينيت: “أبو مازن هو زعيم الفلسطينيين رسميا. فأنا لا أختار من يكون قائدهم. كما هو معروف، فإن عهد ولايته ولى منذ زمن…”
نحن نطمح كثيرًا إلى صنع السلام. السؤال الذي يُسأل هو ما معنى هذه الفكرة، وماذا قابل للتطبيق حقا. أؤومن أن السلام يجب أن يحدث من الأسفل نحو الأعلى، ومن المهم أن يتضمن عناصر اقتصادية، تضمن تحسين جودة الحياة.
تبدو هذه الفكرة ممتازة إلا أنك تعرف ماذا يريد الفلسطينيون. إنهم يريدون دولة
إذا كانوا يريدون دولة فلسطينية أخرى، إضافة إلى الدولة في غزة، فهذا لن يحدث. فهذه الفكرة غير قابلة للتطبيق وليست صحيحة. من المهم تحديد توقعات واقعية، ويُفضّل أن تتابع كل الأطراف أسلوب حياتها بدلا من ان تُحدد أهداف واهية تؤدي إلى جولة عنف قابل للانفجار. شهدنا ذلك بعد المفاوضات في كامب ديفيد، حيث اندلعت من بعدها الانتفاضة الثانية.
ماذا تقترح على الفلسطينيين في الواقع؟
أقترح تركيز الجهود على مشروع مارشال (مشروع لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية) من أجل الفلسطينيين. يمكن أن نسميه “مشروع ترامب”. خلافا للسياسيين الآخرين، لدي ماض من العمل في مجال الأعمال وأؤمن أن المبادرات هي سر النجاح. فهناك أهمية للمبادرات في مجال التربية، السياحة، والهايتك.
هل تعتقد أن أبو مازن شريك؟
أبو مازن هو زعيم الفلسطينيين رسميا. فأنا لا أختار من يكون قائدهم. كما هو معروف، فإن عهد ولايته ولى منذ زمن، ولكن هذا شأن الفلسطينيين. أكثر ما يزعجني هو أنه يعمل على كراهية اليهود وإسرائيل. إذ يخلق التحريض في الجهاز التربوي الفلسطيني جيلا مخيبا للأمل من الفلسطينيين الذين ترعرعوا على الكراهية. علينا الانتظار 25 عاما إضافية، وهذا خطأ.
ما رأيك في المستوطنات؟ هل تعرف أنها تثير غضبا في أوساط الفلسطينيين؟
أنا أعتقد وكذلك آخرون أن هناك دولتين فلسطينيتين: دولة في غزة وأخرى في الأردن. لا مكان لدولة ثالثة. رغم ذلك، أنا مستعد لقبول اقتراحات مثل حكم ذاتي أو كونفدرالية. لقد اقترحت برنامجا تضم إسرائيل في إطاره مناطق “سي” (C) وتمنح مواطنة إسرائيلية للفلسطينيين فيها. على أية حال، ردا على سؤالكِ حول المستوطنات، لا أعتقد أن هناك داعي لإخلاء أي يهودي أو عربي وفق برنامج أيا كان. فهذا يشكل مسا صعبا بحقوق الإنسان.
بينيت: “هناك دولتين فلسطينيتين: دولة في غزة وأخرى في الأردن. لا مكان لدولة ثالثة…”
ما رأيك في غزة؟ في عملية “الجرف الصامد” أنت عارضتَ إدارة الجيش للعملية واعتقدت أنه كان يجب إنهائها بشكل حازم. كيف ترى غزة في يومنا هذا؟ فقد بات قطاع غزة يعيش أزمة إنسانية
يجب طرح السؤال على قيادة حماس وليس عليّ. اطرحي السؤال على قيادة الجناح السياسي في حماس حول ما تقوم به حماس من أجل غزة. تكمن المشكلة في أن كل مبلغ مالي أو كمية من الإسمنت أو أية طاقات تبذل من أجل غزة تصل إلى الجناح العسكري فورا: تُستخدم من أجل الإرهاب، الصواريخ، والمس بإسرائيل. فحماس قادرة على الإجابة.
ما هو الحل؟
ليست لدينا أية رغبة أيدولوجية للعودة إلى غزة. لقد تراجعنا إلى حدود 67، أخرجنا المستوطِنين، الجيش الإسرائيلي، وأعدنا إلى أبو مازن مفاتيح السيطرة إلا أن الفلسطينيين “فشلوا في المهمة”. حصلت حماس على دولة مجانا. رغم ذلك عندما تُغيّر توجهها، لن تكون لدينا مشكلة مع غزة.
هل تعرف أنكَ تعتبر متطرفا جدا في العالم العربي؟
هناك عمل منذ سنوات لرسم صورتي بشكل غير صحيح. لا أكره العرب أبدا، وفي الوقت ذاته لا أحبهم بشكل خاص أيضا. أعتبرهم بشرا وأعرف أننا نعيش في بيئة فيها عرب. يُستحسن أن تراقبي أعمالي وألا تشغلي نفسكِ في الصورة التي يرسمها الآخرين لي.
هل يمكنكَ إعطاء مثال؟
يمكن أن أشهد على أعمالي في إسرائيل فقط: فتحت 12 مركزا لتشغيل للنساء العربيات، وحاضنة هايتك للوسط العربي. نحن في وزارة التربية نوفر تعليم اللغة العبريّة، الرياضيات، والإنجليزية للطلاب العرب ومبادرات كثيرة أخرى. بالمناسبة، خلافا لما كنت أشعر به تجاه العرب قبل 20 عاما فقد أصبحت الآن متفائلا أكثر.
بينيت: “لا أكره العرب أبدا، وفي الوقت ذاته لا أحبهم بشكل خاص أيضا..”
لماذا أصبحت متفائلا؟
أشعر أن العرب يقتربون من دولة إسرائيل من خلال الحفاظ على هويتهم العربية طبعا. أثناء الانتفاضة الأخيرة، انتفاضة السكاكين، كان تورط العرب صفريا تقريبًا، رغم أنه كانت هناك محاولات لإقاحمهم فيها.
ما رأيك في الدين؟ هل يشكل عائقا؟
أنا إنسان مؤمن، وأعرّف نفسي بصفتي يهوديا بشكل أساسي. فاليهودية هي هويتي الأولى. عشت معظم حياتي في بيئة غير دينية، في الجيش، في عالم الهايتك، وعالم الأعمال. أنا متديّن، إلا أني أعمل لصالح كل مواطني دولة إسرائيل. فأنا لا أفكر كيف أهتم بالمتدينين بل بكل مواطني الدولة.
يُوصف الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني أحيانا بصفته صراعا دينيا
لا أعتقد أن الإيمان يشكل عائقا أمام التعايش أو السلام بل على العكس. فالشعوب التي تؤمن بإله واحد يمكنها أن تجد طريقا للعيش معا. يجدر بنا تبني المرونة الفكرية التي تُميّز عالم الهايتك، إذ علينا أن نتعامل مع المشاكل القديمة من خلال وجهات نظر عصرية. بالمناسبة، أحد المجالات التي أحببتها في الهايتك هو أن هذا العالم لا يميز بين الأشخاص على أساس لون جلدهم، آرائهم السياسية، ودينهم. ولكن أنا لا أعيش في عالم مثالي ولا أعتقد أنه ستنشأ جنة عدن من العيش المشترك أو شرق أوسط جديد. فلدي أهداف متواضعة أكثر، وأنا واقعي.
بما أنكَ تحدثت عن الأهداف، السؤال الذي يُسأل: هل أنت معني بأن تصبح رئيس حكومة بدلا من نتنياهو؟
يتهرب بينيت قائلا: “أحب عملي جدا، وأشعر أنني قادر على التأثير جدا من خلاله.
هل نحن نطمح إلى قيادة الدولة؟ نعم.
هل هناك وقت محدد. لا…