حتى عام 2014، كان 60% من اليهود المتدينين (الحاريديين) في إسرائيل تقريبًا يعرّفون فقراء وفقًا لمؤشّر الفقر الإسرائيلي. وقد تجاوزوا بذلك أيضًا عرب إسرائيل، وأصبحوا الجمهور الأفقر في إسرائيل. ورغم ذلك، ففي استطلاع دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، والذي قارن بين مستوى رضا المتدينين عن حياتهم مقارنة برضا اليهود غير المتديّنين، وُجد فارق نسبته 36% في الرضا – كان الحاريديون أكثر رضا بكثير عن حياتهم.
إن أسباب فقر الحاريديين متنوّعة. فمتوسط عدد الأطفال في الوسط اليهودي الحاريدي هو 4.7 أطفال للأسرة الواحدة، مقابل 2.3 أطفال بالمتوسّط للأسرة اليهودية العلمانية. معدّل حاملي اللقب الأول في المجتمع الحاريدي حتى سنّ 45 عاما هو نحو 10% فقط، مقابل معدّل نسبته نحو 35% في أوساط سائر المجتمع اليهودي في إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، فمن المعتاد في المجتمع الحاريدي ألا يعمل الرجل لأنه يتعلم الدراسات الدينية في المعاهد الدينية، ولذلك ففي الكثير من الأحيان تتحمل المرأة، التي تحرص أيضًا على احتياجات المنزل والأطفال، وحدها عبء المعيشة.
من المعتاد أيضًا أنّ أهل الأسرة الحاريدية يساعدون أطفالهم في تمويل الزفاف وشراء الشقّة الأولى أيضًا. ويحصلون على قروض مالية كثيرة ويصرفون قليلا مقارنة بكافة السكان في إسرائيل. ومع ذلك، فإنّ بيانات الوضع الاقتصادي المتدني لا تؤثّر تقريبا في السعادة الشخصية لدى الجمهور الحاريدي.
وُجد في الاستطلاع الذي نُشر قبل نحو شهر، أنّ 40% من الحاريديين راضون جدا عن أوضاعهم الاقتصادية، 32% راضون أيضًا بدرجة متوسطة، و 28% فقط غير راضين عن أوضاعهم الاقتصادية. تبدو البيانات ظاهريا غير ممكنة. كيف ينجح الكثير من الأشخاص أن يكونوا سعداء رغم أوضاعهم الاقتصادية الصعبة؟
التماسك المجتمعي والتضامن في المجتمع الحاريدي هو أحد الإجابات على ذلك. هناك شبكات مساعدة متبادلة متطوّرة جدا في المجتمع الحاريدي، في كل مجال في الحياة تقريبا – الحصول على قروض دون ربا وبشروط جيّدة، الاعتناء بالأطفال، مساعدة الوالدات حديثا، والحرص على إعداد طعام لأطفال الجيران، عندما تكون هناك حاجة لذلك. وهكذا يعلم أبناء هذا المجتمع أنّ هناك دائما من يتوجّهون إليه عندما يحتاجون إلى مساعدة، والكثير منهم يحتاجونها.
لا يشعر اليهود الحاريديون، كما يقول محلّلون، بأنّ حالتهم سيّئة مقارنة بالآخرين، لأنّ المجتمع الحاريدي منغلق نسبيا، ولذا فرغم أنّ مستوى الحياة العام منخفض، فهو متوسّط بالمقارنة بالشارع الحاريدي.
سوى ذلك، فأيضًا الإيمان بأنّ الوضع دائما من شأنه أن يتحسّن يرافق الكثيرين من أبناء هذا المجتمع في الاستطلاع المذكور أعلاه، 65% من الحاريديين قدّروا بأنّ أوضاعهم الاقتصادية ستتحسن. حتى لو لم يكن الوضع الآن جيّدا، فالكثير منهم ينظرون نظرة تفاؤل نحو المستقبل. ومع ذلك، ففي التجزئة الداخلية للإجابات، وُجد أنّ النساء الحاريديات أقلّ تفاؤلا من الرجال في كلّ ما يتعلّق بمستقبلهنّ الاقتصادي. رغم ذلك فهنّ يشكّلن مفتاح النجاح الاقتصادي للأسرة، حيث يُعتبرنَ في الكثير من الأسر مصدر كسب الرزق الرئيسي.
بالإضافة إلى ذلك، يحرص التعليم الحاريدي على بناء خلية أسرية واسعة، وعلى المشاركة في المجتمع، ويهتم أقل بالنجاح الشخصي في الحياة المهنية والتعليمية. ولذا يقيم الأفراد في هذا المجتمع أنفسهم وفقا لإنجازات الزواج وإقامة أسرة كبيرة، وبشكل أقل وفقا لحجم الدخل ومستوى التعليم.