توفّيَ علي سالم، المسرحيّ وكاتب الهجاء المصريّ الشهير، في القاهرة يومَ الثلاثاء المُنصرِم، عن عمر يناهزَ الـ 79 عاما. أصيب سالم في السنوات الأخيرة بمرض السرطان حيثُ باتت أعراض المرض ظاهرةً للغاية على وجهه وجسده. عُرِفَ في العقود الماضية على أنّه واحد من أبرز مؤيّدي السلام الإسرائيليّ-المصريّ وأكثرهم تماسُكا وثبوتا على الرأي. إذ تشبّث بموقفه هذا رغمَ دفعه ثمنا باهظا على ذلك على الصعيدين المهنيّ والشعبيّ.
وُلِدَ سالم عام 1936 لعائلة فقيرة في مدينة دمياط الواقعة في الدلتا. دخلَ مهنة الكتابة تقريبا بالصدفة، وغَدَا أولا وقبل كلّ شيء خلال حياته ناقِدا اجتماعيا وسياسيا. فقد كان رجلَ مُعارضةٍ فذا، ذا عامود مشحوذ بالأقوال في عدة صحف مصريّة وفي صحيفة لندن “الشرق الأوسط” أيضا، وأسس صحيفة المُعارَضة اليومية “نهضة مصر” عام 2003. وكتب سالم مُسبقا في أواخر الثمانينات الكثيرَ تنديدا بالحاكم مُبارك. كان من أوائل المُفكّرين الذين وقفوا مع المُتظاهرين في ميدان التحرير عام 2011، ولكنّه كان أيضا بين أوائل الذين خرجوا علنا ضدّ بلوغ “الإخوان المسلمين” الحكم إثرَ إقالة مُبارك.
https://www.youtube.com/watch?v=zlhfr7WTKks
لقد كانت النزاهة والصدق من ميزات سالم البارزة. فقد أشار إلى نفسه على أنّه لم يكن مؤيّدا بارزا لعملية تحقيق السلام مع إسرائيل منذ بدايتها (سقط أخوه ضحية حرب 1976)، لكنّه رأى في اتفاق أوسلو استمرارا لاتفاق السلام الإسرائيليّ-المصريّ وإتمامَ إقامة دولة فلسطينيّة وتسوية عربية-إسرائيليّة، ووفقا لذلك غيّر رأيه وبات مؤيّدا مُتحمّسا ومُناديا للسلام مع إسرائيل.
وفي عام 1994 وصلَ سالم في سيارته الخاصة إلى إسرائيل وتجوّل بها بشكل مستقل لبضعة أسابيع، كمُحاولة للتخلص من خوفه السابق ومن أجل التعرف على إسرائيل والمجتمع الإسرائيليّ عن كثب. التقى في رحلته هذه أشخاصا مثقفين من اليهود والعرب، كما وانكشف على جهات أخرى في إسرائيل والتي كان يعرفها سابقا. حصرَ سالم مهمّات وتفاصيل زيارة إسرائيل في كتاب “رحلة إلى إسرائيل”، إذ حظي في أعقابه على شهرة وشعبية كبيرة في إسرائيل والغرب، لكنّه أثار موجة من النقد اللاذع في بلاده. ومنذ ذلك الوقت، قام بزيارة إسرائيل مرتّين إضافيّتين، حتّى نعته مُفكّرون وكُتّاب كثيرون بأنه خائن لمصر وعميل للمؤسسات الإسرائيليّة. في سنة 2001، إثر ثباته على ذات الآراء حول العلاقات مع إسرائيل رغمَ انتفاضة الأقصى، نجحَ مُعارضوه، أخيرا، بإقصائه خارجَ جمعية الكُتاب المصرييّن. روفقت هذه العمليّة بشطب اسمه من أعماله المعروفة، وحتّى اليوم تُباع في العالم العربيّ أفلامٌ لمسرحياته مع حذف اسمه منها.
علي سالم يجسد المثل المعروف “لا كرامة لنبيّ في قومه”. لم تكن الأوسمة والجوائز، التي حاز على الكثير منها في إسرائيل وفي العديد من الدول الأخرى، لصالحه في مسقط رأسه، إذ لم ينل جائزة أو اعترافا علنيا لعظمته في مصر ذاتها. في حين أنّ أعماله الهجائية ما زالت، حتّى بعد تلطيخها بالتسوية مع إسرائيل، معروفةً ومحبوبة ومحلّ تقدير في العالم العربيّ. إذ يصعب التفكير عن شخص ناطق بالعربيّة لا يعرف عمله الأكثر شهرة، “مدرسة المُشاغبين”، الذي صدر في منتصف السبعينات. سيترك موته فراغا كبيرا في الثقافة والأدب، وليس ما دون ذلك في مجال النقد الاجتماعيّ والسياسي أيضا في مصر. لن يجرؤ الكثير من زملائه على الاعتراف بوجود هذا الفراغ، لكنّ أحد مُعجبيه قد لخّص الأمر بصورة جميلة في مديح نشره في صفحته على تويتر: “رحلَ صاحبُ المدرسة، ولم يبقَ سوى المُختلّينَ”.
نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي