“حتى ما بعد الجيش، حين كنتُ شابّا في الحادية والعشرين، تشاركت مع أخي في السرير نفسه. كنّا ننام على نفس السرير بعكس بعض. لم يكن لدينا هاتف في البيت وفي البناية التي كنا نسكن فيها، في كل المنطقة لم يكن هناك سوى تلفزيون واحد في بيت امرأة تقية، كان الجميع يأتون إليها للمشاهدة”.
عام 1976، قرر رامي ليفي، جندي مسرّح مع خبرة في دفع العربات في البلدة القديمة، أن يقوم بالأمور بشكل مختلف. فقد أخذ الدكان الصغير لجده في شارع هشكماه في السوق في القدس، وبدأ يبيع بأسعار منخفضة جدا بحيث لم يكن الدكان يربح تقريبا، لكنه بنى جمهور مشترين وليا وسمعة المكان الأفضل للمشتريات، حيث أصبحت طريق التوسع وفتح دكان آخر قصيرة. بعد 37 عاما، رامي ليفي هو صاحب إمبراطورية من المتاجر الكبيرة مع عشرات المتاجر، ومؤخرا صاحب شركة اتصالات خلوية جديدة.
بعد الدكان الصغير في السوق، كان دكان أكبر في القدس استمرارا طبيعيا، ومن هناك انتقل إلى متجر ضخم في المنطقة الصناعية في القدس، ثم إلى عشرات المتاجر الأخرى. وفقا لليفي، جرى الانتقال إلى شبكة قطرية أواخر التسعينات، عندما انتقل عدد لا بأس به من المقدسيين إلى مدينة موديعين، فجاؤوا إليه وتذمروا: “رامي، إنهم يدمروننا في موديعين. تعال إلى موديعين. لذلك، عام 2000، جئتُ إلى موديعين”. وكلما كبرت الشركة، انخفضت الأسعار التي بإمكان ليفي عرضُها أكثر فأكثر. أثار ليفي غضب أصحاب المتاجر الأخرى بحملات عرضت دجاجة كاملة بشاقل مع اقتراب الأعياد، خاض مواجهة مع شركة كوكا كولا بعدما رفض الانصياع لإملاءاتهم بشأن سعر الزجاجات، ووقّع على عقد مع شركة “أبل” ليكون المكان الأرخص في إسرائيل الذي يبيع الآي فون الجديد.
لكنّ ليفي فنان في العلاقات العامة، والاهتمام الذي يحظى به مجد مقابل التكاليف التي يتحملها عند البيع بأسعار خسارة. هكذا حدث عندما دخل يومًا إلى الفرع الحاريدي (لليهود المتزمتين) للشبكة في مدينة بيتار عيليت، وقرر تسريح الضغط الكبير للأدوار على صناديق الدفع عبر طريقة مبتكرة بشكل خصوصي. فقد أعلن في نداء أنّ جميع من يقفون في الدور بإمكانهم مغادرة الفرع مع عرباتهم الممتلئة دون مقابل.
يشرح سر سحره بطريقة بسيطة جدا “رغم أنني لم أمتلك برنامجا تجاريا حين بدأتُ العمل في الدكان في السوق في القدس، لكنني عملتُ لصالح المستهلِك، ما أدّى إلى الطلب على مشروعي. بعد أن تشكّل الطلب توسعت. هذا بسيط. أعمل دون حسبان للوقت، باستثناء يوم السبت، وأحيط نفسي بالأصدقاء وبأفراد الأسرة. يعمل لديّ 18 من أبناء أسرتي – إخوة، أخوات، أصهار، أبناء أصهار، والكثير من أصدقاء الطفولة في حي “هباحيم” في القدس، الذي نشأتُ به. بدأ يوسي سبطو، المدير التجاري، كعتّال، فيما بدأ شموليك ليفي، المدير الإداري، كسائق. أتحدث مع العديد من الأشخاص، أستشيرهم، وأستأنس بآرائهم”.
يمكن إيجاد الجميع في متاجر رامي ليفي. ففي الدكان في “شاعر بنيامين” في الضفة الغربية يعمل عمال عرب ويهود يبيعون للمستوطنين والفلسطينيين الذين يثبتون أنّ بإمكان الأسعار المنخفضة التغلّب على النزاعات السياسية، وفي الدكان في القدس، بين أفراد الطبقة الفقيرة الذين يُضطرون إلى شراء حاجياتهم لدى ليفي لتدبر أمرهم حتى نهاية الشهر، يمكن إيجاد عمّال بيت رئيس الحكومة الذين جاؤوا ليشتروا الحاجيات للمواطن رقم 1(نتنياهو).
حتى قبل عامين، كان ليفي معتادا على المديح، الملاحظات والتهاني، لا سيما من المقدسيين. حوّله الانتشار في كل البلاد إلى شخصية معروفة في كل بيت. في القدس، لا يتردد أحد في الاقتراب منه، وتحييه الغالبية الساحقة من عابري السبيل والزبائن حينما يدخل الدكان، يمر في الطريق، أو يجلس لتناول الطعام.
مؤيد ليكود غير نموذجي
في إسرائيل ما بعد الاحتجاجات الاجتماعية، رامي ليفي هو محط إجماع، فارس الطبقة الدنيا. عندما سُئل في الماضي لماذا لا يستغل شعبيته لدخول المعترك السياسي، أجاب “أنا أصنع سياسة لمليون و300 ألف شخص يدخلون شبكتي شهريًّا. معنى هذا 300 ألف عائلة. لا أعرف الكثير من السياسيين الذين يخدمون كل هذا المقدار من الناس”.
لكن في الفترة الأخيرة، يبدو أنّ أمرا ما يتغير. نهاية العام 2012، تلقى ليفي دعوة من رئيس الحكومة نتنياهو، الذي كان يعاني في تلك الفترة من انخفاض في استطلاعات الرأي جراء الوضع الاقتصادي وازدياد غلاء المعيشة، ويبحث عن ورقة رابحة قبيل الانتخابات. توجه نتنياهو لليفي طالبًا منه أن يكون عضوا في طاقم خاص وظيفته رفع توصيات لنتنياهو لانتهاج سياسة اقتصادية أصحّ تحسّن وضع المواطن العادي.
عندما سُئل عمّا يرغب بتطويره، أجاب: “التقيتُ بنتنياهو مرتين في الأسابيع الأخيرة، وأعجبتُ جدا بما لديه، جلسنا لمدة ساعات، وأوضحتُ له أنّ أهم موضوعَين الآن هما خفض أسعار الإسكان ومنع سحق الطبقة الوسطى. أظنّ أننا ملزمون بتقوية المشاريع الصغيرة والمتوسطة. فهي العمود الفقري للاقتصاد الإسرائيلي، ودونها ينهار الاقتصاد كله”. شدد ليفي “لم آتِ لأكون ورقة تين. إذا حاولوا إذابتي، سأستقيل”
لم يرَ الطاقم النور، وتبدو الأفكار التي تحدث عنها ليفي آنذاك بعيدة جدا عن القرارات التي تتخذها الحكومة الجديدة التي يسيرها نتنياهو. لكنّ ليفي لا يركد، ولا يتوقف عن المفاجأة.
كان ليفي، الذي نشأ في شوارع السوق المقدسي، أحد معاقل الليكود واليمين الإسرائيلي، ناشطا في الليكود ومشجعا لفريق كرة القدم بيتار لسنوات طويلة. وقد أدى ذلك إلى مفاجأة كبرى حين خرج ليفي في تشرين الثاني المنصرم من منزله في أورشليم القدس إلى الضفة الغربية، ولكن ليس ليزور متجره في شاعر بنيامين، بل ليزور بيت الملياردير منيب المصري في نابلس. وكان الهدف هو اللقاء مع الأمين العام السابق للجامعة العربية، عمرو موسى، رئيس الحكومة الأردنية سابقا عبد السلام المجالي، رئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني وممثل رئيس السلطة محمود عباس (أبو مازن)، د. محمد مصطفى، مندوب الأمم المتحدة روبرت سري، ممثل الرباعية الدولية الأمير فراس بن رعد، وممثلين آخرين عن تركيا والاتحاد الأوروبي. وقد صدر إعلان عن المشاركين أن هدف الحاضرين هو إبلاغ رسالة تنادي بكسر الجمود في عملية السلام. ليست هذه أقل من خطوة مبتكرة يقوم بها يميني ومؤيد ليكود عريق مثل ليفي في المشهد الإسرائيلي.
تُضاف زيارته الى نابلس إلى زيارة أخرى قام بها ليفي الشهر الماضي إلى القدس. ذهب ليفي، برفقة رجال أعمال بارزين آخرين، إلى مكتب رئيس الحكومة نتنياهو، بهدف التعبير عن القلق من الآثار السلبية على الاقتصاد الإسرائيلي، التي يمكن أن تنجم عن استمرار الجمود السياسي مع الفلسطينيين. أخبر رجالُ الأعمال نتنياهو أنّ انعدام التقدم في اتجاه دولتَين لشعبَين يشكّل خطرًا على ازدهار إسرائيل الاقتصادي.
لكن دخول ليفي المعترك السياسي يبدو مستبعدا حاليا. “لستُ رجلا سياسيا. لستُ أنوي دخول الكنيست أو الوزارة. أنا إنسان طاهر الكف واريد المساعدة”.
ليس كل شيء رائعا
لكن لا يجري كل شيء بسلاسة لدى ليفي. للصورة الشعبية التي يرسمها ليفي حسنات، ولكن سيئات أيضا. حتى اليوم، حيث يدير ليفي شركة كبيرة في البورصة، يبدو أنّ الأمور تختلط عليه، فيظن أنه لا يزال مديرا لشركة صغيرة ليست ملزمة بتقديم تقارير للمستثمرين. عدا زوجته التي تعمل أمينة للصندوق في الشركة، يعمل العديد من أفراد الأسرة في الشركة. ابنته يافيت هي مديرة التسويق، زوجها هو مدير “رامي ليفي للاتصالات”، ابنه كوبي هو معاون نائب المدير العام، وابنته الأخرى، رينات، تعمل في القسم القانوني. أخوه وأخته، وأحد أنسبائه، يدير كلٌّ منهم أحد فروع الشبكة. “هؤلاء أشخاص يعملون لديّ منذ ثلاثين سنة”، يتصدى ليفي كقائد جوقة. “إنهم أفراد من العائلة، ولديهم مصلحة بالحفاظ على الشركة”.
لكن الاعتراضات على ترقية مقربين (زوجته هي واحدة من الذين يتقاضون أعلى أجر في الاقتصاد الإسرائيلي) ليست الانتقاد الوحيد الذي يواجهه ليفي، إذ يجري الادعاء، بين أمور أخرى، أنه عمل، كعضو في بلدية القدس، بطرق غير قانونية لتعزيز أعماله التجارية الخاصة.
وماذا بعد؟
يبدو حاليا أنّ الهدف القادم الذي يضعه ليفي هو إدارة أكبر شبكة متاجر في إسرائيل. وإذا استمر في أن يكون المكان الأرخص للقيام بالمشتريات سنة بعد سنة، فلا الانتقاد ولا الانجذاب للسياسة قادران على إيقافه.