حاولت في فترة ما في حياتي أن أتعلم كيف أفهم وأتحدث العربية قليلا. وللتدرّب على الإصغاء، حاولت في صباح واحد من الأسبوع على الأقل، أن أوجه الراديو لبث راديو الشمس بدلا من بث إذاعة الجيش أو الشبكة ب، اللتين كنت أستمع إليهما بشكل دائم. وبدلا من رازي بركائي أو كيرن نويباخ، فتحت أذني إلى زهير بهلول وجاكي خوري، وهما المذيعان البارزان في الراديو، الذي احتفل يوم السبت بمرور عقد على تأسيسه، وأنا أعرف كليهما معرفة شخصية.
وبين مقابلة وأخرى، يستضيف مذيعو الشمس، محطة الإذاعة التي تحظى بشعبية في الوسط العربي، شخصا لا يعرف العربية وتتم مقابلته. ومرة تلو الأخرى، يبدأ الضيوف الحديث بالاعتذار. “آسف لأنني لا يمكنني أن أتكلم بالعربي في الراديو. لم يعلمونا في المدرسة ونحن لا نتحدث اللغة”. هذه هي الافتتاحية الدائمة في أي حديث. اليهود الذين تتم مقابلتهم في راديو الشمس يشعرون بعدم الراحة للحظات، في حين لا يمكنهم أن يشعروا، من على أمواج الأثير، باللغة والثقافة. ولكن هذا الشعور سرعان ما يزول لدى معظمهم بعد دقيقة واحدة من إقفال الخط، ويواصلون طريقهم. اللغة العربية هي لغة الأقلية في إسرائيل ولكونها كذلك فإن الراديو الذي يمثلها يعيش كأقلية داخل أقلية.
مرت عشر سنوات منذ تأسيس راديو الشمس، ولكن الجمهور اليهودي يتطرق إليه بلا مبالاة، يتجاهل وكأنه محطة محلية، تخص الجليل فقط. في هذه الأثناء زادت شهرة الراديو في المجتمع العربي، وله نسبة استماع عالية ويتابعه جمهور من العالم العربي كله. لا توجد بحوزة الراديو وسائل قياس دقيقة لمعرفة عدد الأشخاص الذين يستمعون إلى موقع الراديو على الإنترنت، ولكن مذيعيه يتلقون توجهات على صفحات الفيس بوك الخاصة بهم من دول عديدة خارج إسرائيل.
قالت لي أمس مقبولة نصار مذيعة الراديو التي تختلف الآراء حولها “أنا أعلم علم اليقين أن هناك كثيرون يستمعون إليّ من خارج إسرائيل”. برنامجها “حديث مباشر” هو برنامج يرتكز إلى أحاديث مع مستمعين، ويتم بثه مرتان في الأسبوع ويستقطب انتقادات كثيرة.
تزاول ناصر (ربما مثلي) عملها في الحيّز الصحفي النسوي الذي يثير الغضب. من وجهة نظر جزء من الجمهور العربي هي أشبه بالمذيع “نتان زهافي”، ولكن من وجهة نظري هي أخت لي في النقاشات غير المنقطعة مع الرجال. إنها لا تخاف من النقاش، خلال البث، في مواضيع تتفاوت الآراء فيها في المجتمَع العربي، وهي تشدد كثيرا على حقوق المرأة ومكانتها. وتقول “لقد بدأوا مؤخرًا يديرون ضدي صفحات على الفيس بوك، بسبب آرائي، وروت لي أمس أن “هذا يأتي من جهة مؤيدي الحركة الإسلامية. أنا لا أتأثر ولكن هذا الأمر يُحدث الكثير من الضجة”.
غير أن مشاكل راديو الشمس أكثر تعقيدًا بقليل من النقاشات النسوية. يمكن لأغنية، في بعض الأحيان، يتم بثها في قائمة بث المحطة، وهي مستقاة من صراعات الاحتجاج في مصر أو في دولة أخرى في المنطقة أن تنجح في إغضاب المستمعين اليهود الذين يفهمون العربية وهم يكثرون من تقديم الشكاوى إلى سلطة البث الثانية. إن كمية الساعات التي يخصصها مدراء المحطة لصد الشكاوى حول طابع البرامج تزيد كل الوقت.
ويشعر مستخدمو الراديو أن الشكاوى قد زادت في السنتين الأخيرتين وبعضها تحوّل إلى مزعجة. يبدو أن هناك مجموعة من الجمعيات أو المنظمات التي تجلس وتستمع وتُغرق سلطة البث الثانية للراديو والتلفزيون بانتقادات لا نهائية وسخيفة توجهها إلى المحطة. خلال عقد من الزمن، لم يتدخلوا بالمضامين التي تبثها المحطة في الأعياد اليهودية، وفجأة وصلت شكاوى، في يوم ذكرى الجنود الإسرائيليين في السنة الأخيرة، حول بث موسيقى صاخبة وغير لائقة وتم تغريم المحطة بمبلغ 60 ألف شيكل.
وقد ذكر مالك المحطة، سهيل كرام، أمس في الاحتفال الحاجة إلى مواجهة الشكاوى ومواصلة العمل وبث الراديو للجمهور العربي. “نحن نشعر بالتعامل المجحف تجاه الجمهور العربي في وسائل الإعلام الإسرائيلية، وعلى الرغم من ذلك فإن 20% على الأقل ممن تتم مقابلتهم هم من المتحدثين بالعبرية. ونحن نشدد على نشر آراء من كافة الأطياف السياسية، ونحن نستضيف أيضا في البث سياسيين من اليمين المتطرف. لقد اتخذنا قرارًا استراتيجيا وهو أن على الحوار الجماهيري أن يدور يوميًا وكل ساعة ونحن راديو حر ومعاصر، يشدد على عدم تجاهل المشاكل داخل الوسط العربي، وإلى جانب ذلك نجح في تحقيق الرؤيا باعتبار إسرائيل دولة داخل المنطقة العربية. يستمعون إلى راديو الشمس من كافة دول الشرق الأوسط ونحن نستضيف أشخاصًا من كافة الأماكن. مع مرور السنوات أصبحنا نرى الواقع من حولنا يزيد تعقيدا، ونحن سنواصل، استمرارا للسنوات العشر الأولى، النضال من أجل حرية التعبير، التي لا تعتبر أمرًا مفروغًا منه حين يجري الحديث عن راديو عربي”.
الكاتبة هي ضيفة كثيرة التردد على راديو الشمس وتقدم تحليلات سياسية إسرائيلية.