من يتجوّل في ساعات الصباح الباكرة في شوارع تل أبيب في أيام الصيف، على طول المتنزّه، من ميناء يافا (جنوب المدينة) وحتى حدائق متنزّه اليركون الضخمة، سيلاحظ ظاهرة آخذة بالتوسع، كجزء من اتجاه عالمي في العودة إلى اللياقة، شبان وفتيات يمارسون تمارين الشدّ ويتدرّبون في الطبيعة أمام أعين المارّة.
لا يدور الحديث عن كبار السن الذين يصحون باكرا في أيام الصيف الحارّة، من أجل السباحة في شواطئ تل أبيب الطويلة، وإنما عن مجموعات من الشبان والفتيات، المتحمّسون لإنهاء الركض أو تمارين الشدّ أو تمارين TRX على شاطئ نهر اليركون، قبل بداية يوم مزدحم.
قبل نحو عقد، في يوم السبت صباحا، وهو يوم الراحة الرسمي للإسرائيليين، نادرا ما كنا نرى أشخاصا يركضون على متنزّه تل أبيب، الذي يبلغ طوله نحو عشرة كيلومترات، ولا مجموعات من الشباب يركبون الدراجات الهوائية وهم في طريقهم للوصول إلى الوجهة المحددة مسبقا. في هذه الأيام، أصبح الركض المشترك لبضعة شباب والركوب على الدراجات الهوائية في شوارع المدينة الاتجاه الأقوى للياقة والصحة والذي من الصعب جدا تجاهله، وخصوصا أنّ محبّي الرياضة يسدّون منذ ساعات الصباح الباكرة جميع طرق المشي المتاحة في المدينة.
ويُضاف إلى كل هؤلاء الأشخاص مجموعة الشبيبة، والذين أنهوا للتوّ تعليمهم الثانوي ويستعدّون قبيل خدمتهم العسكرية. تركز مجموعات عامة ومجموعات من الشبيبة على التدريبات الرياضية المكثّفة على الشاطئ من خلال الركض طويلا، حمل أكياس الرمل على الظهر، وتقوية عضلات الجسم قبل أن يتوجّهوا أفرادها إلى مكاتب التجنيد من أجل الالتحاق بالخدمة العسكرية في الوحدات القتاليّة.
تُعرف مدينة تل أبيب أنها مدينة الشباب ويعيش الكثير من العازبين في المدينة ويبحث الكثيرون منهم ليس فقط عن تطوير سيرتهم المهنية في المدينة وإنما أيضًا عن الاستمتاع بالعزوبية بل وحتى التعرّف على الشاب أو الفتاة الذين يتدرّبون. أصبح نموذج الجمال المقبول في هذه الأيام نموذج جمال قوي، رشيق، وذا عضلات. على الرجال والنساء الذين يطمحون إلى التعرّف على بعضهم البعض في المدينة البيضاء (لقب مدينة تل أبيب)، تلبية معيار الجمال المقبول ولذا لا يتخلى الكثيرون عن الحلم أن يكونوا أصحّاء، أقوياء، ويتمتعون بقمة اللياقة البدنية.
في كل زاوية في المدينة يمكن العثور على صالات رياضية وشباب يستأجرون خدمات مدرّبين خصوصيين أو خبراء تغذية من أجل مساعدتهم على الوصول إلى الهدف المنشود. تدفع متطلبات الجمال ونموذج الحياة الصحية الكثيرين إلى ترك صالات الرياضة المغلقة وتجربة حظّهم في الهواء الطلق، ربما من خلال ذلك يمكن أن يتعرّفوا على أشخاص جدد وهم يركضون ركض الصباح.
وهناك مشهد ليس نادرا أبدا وهو مجموعات الأمهات اللواتي يمشين مع عربات أطفالهن على طول المتنزّه بلباس رياضي. ترغب تلك النساء أيضًا في الحفاظ على لياقتهن البدنية والرشاقة وخصوصا بعد الولادة.
وتكتسب طرق تدريب أخرى لتطوير العضلات، تشكيلها، وتطوير القدرة الجسدية زخما في السنتَين الماضيتَين. إحدى هذه الطرق هي “تدريبات الكروس فت” (Crossfit)، وهو اتجاه بارز بدأ في السبعينيات في الولايات المتحدة وفي السنوات الأخيرة أدى أيضًا إلى أن ينتقل الإسرائيليين من ممارسة الرياضة في الصالة الرياضية إلى هذه المنطقة الجديدة.
لن تجدوا في منطقة نشاط الرجال والنساء الذين يمارسون الكروس فت الآلات المعروفة في الصالات الرياضية بل ستجدون الأثقال الحديدية، الحبال، القضبان، الحلقات الخشبية، الصناديق الخشبية، الإطارات وبشكل كبير جدا مساحة مفتوحة. يفتخر ممارسو هذه الطريقة بأن يكرروا كل مرة قصة المتدرّب الجديد الذي يأتي إلى “البوكس” (أي مساحة التدريب) ويسأل أين هي الآلات، وهم يشيرون ردا عليه، إلى أنفسهم. لا يرتكز سر عملهم على عضلات معينة، وإنما تنفيذ حركات كاملة والاستعانة بكل الجسم.
يمكن العثور على مشهد الكروس فت الإسرائيلي لتنمية العضلات في عشرات الأماكن، بما في ذلك إيلات، بئر السبع، القدس، حيفا وبطبيعة الحال تل أبيب. إضافة إلى التدريبات، يفتخر المجتمع المحلي بمسابقتين رئيسيتين: حدث الـ RFA (Ready For Action) – المخصص لتتويج الرجل والمرأة ذوي اللياقة البدنية الأعلى، وكذلك الـ Affiliate Cup – وهي مسابقة بين النوادي والتي تُبرز العمل الجماعيّ.
لم يتعزز الاهتمام باللياقة في الطبيعة عبثا. يبحث الناس ما يجعلهم أصحاء وأقوياء وبشكل أساسي ألا يدفعوا مقابل التدريبات المكثّفة الكثير جدا من المال. تقلّل التدريبات في الهواء الطلق بشكل ملحوظ التكاليف. يمكن لمجموعات صغيرة من المتدرّبين أو المتدرّبات استئجار خدمات مدرّب شخصي وتوزيع تكلفته بينهم. لا شكّ أن تدريبات اللياقة البدنية ستظلّ ترافقنا عدة سنوات أخرى جيدة.