احدى عوامل التنشئة الاجتماعية الهامة، بقدر ما قد يبدو الأمر غريبًا، هي الدمى: تُظهر الأبحاث العلمية أن الدمية مفيدة، بشكل كبير، لتطور الأطفال السليم، في سن الطفولة المُبكرة.
بالنسبة للمُسلم المؤمن، على الرغم من ذلك، يُسبب المصدر الوثني لتلك الدُمى إشكالية. الدُمية، سليلة الأصنام، التماثيل والآلهة، هي من صنع وخلق الإنسان، وبذلك فهي تحدٍ لعملية الخلق الربانية. هناك حتى من يُحذرون منها ويرونها كأداة إضافية يستخدمها الغرب بغرض الاحتلال السياسي، الثقافي والاقتصادي للدول الإسلامية.
في الفكر الوسطي هنالك ادعاء أن الدمية ليست غريبة أبدًا على المجتمع المُسلم. حتى أنه يُقال إن النبي مُحمد، أولاده وزوجته عائشة، كانوا يلعبون بالدمى في بيته. إلا أنه، بما أن الدُمى في وقتنا هذا تختلف عن الدمى التي كانت في عصر النبي، فعلى رجال الدين أن يتطرقوا لأسئلة شرعية: هل مُتاح للأطفال اللعب بالدُمى وفقًا للشريعة؟ هل تمنع الشريعة اللعب بالدمى ثُنائية الأبعاد أو ثُلاثية الأبعاد التي تصدرُ عنها أصوات، ضحك وبكاء؟ هل تُتيح الشريعة للأطفال المُسلمين تكريس وقت الفراغ للعب بالدُمى، العمل الذي قد يبدو، وفقًا لها، عمل لا طائل منه؟
يبدو أن المُفتين المُعتدلين، استندوا على القرآن، بتحليلهم مسألة اللعب بالدُمى، ويدعون حتى أن الإسلام يؤمن بالقيمة الاجتماعية لذلك قبل مئات السنوات من اكتشاف الأبحاث الغربية لذلك. يتعرف الطفل على مُحيطه، وفقًا لهذا التفسير، من خلال الدُمى ومن خلالها يُعبر عن مشاعره واحتياجاته. على الرغم من ذلك، يُمنع شراء الدُمى للتجميع، كهواية أو زينة في البيت. هذا الأمر مأخوذ عن نهج منسوب للنبي، حيث أمر بعدم الاحتفاظ في البيت بالدُمى لأنها تمنع الملائكة من الدخول إلى البيت.
بينما يقول علماء دين مُعارضون لمسألة الدُمى إن الإسلام لا يمنع اللعب في وقت الفراغ شريطة ألا يترك المؤمن صلاته اليومية وواجباته الدينية. يأمرون بنزع أو إخفاء رأس الدمية تمامًا، أو إذابتها بالنار. الدُمى “الحلال” هي تلك المصنوعة من الصوف أو مواد طبيعية وناعمة، لا توجد فيها عيون ولا معالم وجه أخرى.
ويقول أولئك المُشرعون الدينيون إن تلك الدُمى من شأنها أن تُنشط ذهن وخيال الأطفال أكثر ويمكنها أن تُساهم في تطوره. إضافة إلى ذلك، “كونها ليست كاملة” فهذا يُربي الطفل على تقاسيم وجه وشكل جسم غير مثالي، أي تقبّل ما خلقنا الله عليه وعدم تبني شكل خارجي مُتأثر من موضة بديلة. يدعي مُشرعون دينيون آخرون أنه يُسمح للفتيات اللعب بالدُمى فقط، لأنها تُنمي لديهن حس الأمومة و “تعلمهنّ” كيفية التعامل مع الأطفال.
تمت ترجمة ذلك المنع الديني بشكل فعلي، حيث أنه في متاجر “الحلال” الخاصة بالمُسلمين في أوروبا تم البدء بالترويج لبيع دُمية “عائشة” دون تقاسيم وجه، وهي ترتدي ملابس مُحتشمة أو إسلامية تقليدية ورأسها مُغطى بالحجاب. إلا أنه اتضح بسرعة أن الدُمى “الدينية” تخلو من الجمال، التألق والجاذبية الموجودة في الدُمى “العلمانية”. لذا اضطر المُشرعون الدينيون، المُصَنعون، المُصممون والمُربون أن يصنعوا دُمى أكثر جذبا ومسموحة وفق الشريعة وتُمثل القيم الإسلامية. وتدريجيًّا، بدأت تظهر في السوق دُمى باربي إسلامية جميلة، بملابس تقليدية، وتُباع مع تشيكلة إضافات أُخرى. تلعب تلك الدُمى دورين في آن معًا: تربية البنات على دور الأم والمرأة المُسلمة، ونشر قيم الإسلام بين المُسلمين في الدول الغربية والإسلامية. حتى أن باربي الإسلامية المُتطورة تتحدث اللغة العربية، تُعلم البنات كيفية الصلاة وتتلو آيات مُختارة من القرآن.
يشهد سوق بيع الدُمى الإسلامية، في سنوات الألفية الثانية، نموًا كبيرًا، ويتم تسويق الدُمى الإسلامية بموازاة الدُمى الغربية. ربما ما عدا المصالح الاقتصادية، التربوية والشكلية، يشجع المُشرعون الإسلاميون المعاصرون المؤمنين وأولادهم على الاستمتاع بوقت فراغهم. يُقال إن النبي ذاته، كان يستمتع بالضحك والفكاهة، من خلال اللعب بالدُمى وممارسة الرياضة: “منح استراحة للدماغ”، هكذا قال، حسب الشريعة، “لأن المُخ المُتعب يُصبح مُخًا أعمى”.
نُشرت هذه المقالة لأول مرة على موقع Can Think