قد يؤدي حدوث حالتي صراع القوى العشوائي تقريبًا في العالم العربي، من جهة بين السعودية والدول السنية المحافظة وبين قطر، ومن جهة أخرى بين السلطة الفلسطينية وحماس، إلى تخفيف جزء من حالات الضائقة التي تجتاح قطاع غزة بشكل مؤقت، وإبعاد خطر المواجهة مع إسرائيل نوعًا ما.
في سلسلة أحداث مفاجئة، تحظى الخطوة التي تتخذها مصر – إمداد غزة بالكهرباء مقابل تعزيز مكانة محمد دحلان في القطاع – بدعم الإمارات العربية المتحدة والسعودية وبالمقابل لا تتعرض لمعارضة فعلية إسرائيلية. تتطلب هذه التسوية تنازلات من جهة حماس، ولكنها تلحق ضررا برئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، حيث سيبتعد أكثر فأكثر عن السيطرة على القطاع وسيضطر إلى رؤية كيف ينجح خصمه الداخلي، في تعزيز مكانته في القطاع بدعم علني من القاهرة.
بدأ عباس سلسلة التطورات هذه عندما قرر في شهر أيار الماضي ممارسة ضغط اقتصادي مباشر على حكومة حماس في القطاع. يبدو أن رئيس السلطة قد سئم من تمويل خصومه، في حين يرفضون مطالبه حول اتفاق تسوية للاعتراف بسيطرته على القطاع. أدى تقليص رواتب العمال في السلطة في غزة، وإيقاف دعم أسرى حماس المحررين، لا سيّما تقليص توفير الكهرباء (لأن السلطة توقفت عن دفع الأموال مقابلها إلى إسرائيل) إلى تفاقم ظروف الحياة الصعبة في القطاع، كلما أصبحت درجات الحرارة عالية أكثر في أيام الصيف هذه.
قرر المجلس الوزاري الإسرائيلي المُصغر للشؤون الأمنية والسياسية في الشهر الماضي عدم التدخل في الأزمة وعدم تغطية العجز المالي الناتج إزاء الخطوات التي اتخذتها السلطة. رويدا رويدا، حذرت منظمات الاستخبارات من أن الإحباط المتزايد في القطاع قد يؤدي إلى تدهور الوضع عسكريّا بشكل غير مخطط، وعندها ستتردد حماس فيما إذا كانت ستتواصل العمل ضد القذائف التي تطلقها المنظمات السلفية المتطرفة.
نجحت مصر في التعرّف إلى الخطر الكامن ولكن إلى الفرصة أيضا. إذ شكل الشرخ بين قطر وجاراتها في الخليج ذريعة أمامها للعمل على قطع العلاقة بين قطر وحماس، أما الإمارات العربية المتحدة فقد وافقت على زيادة الدعم المالي للقطاع، وفي الواقع كان حجمه متواضعا مقارنة بالدعم القطري، الذي يُقدّر بنحو 900 مليون دولار حتى وقتنا هذا. بالتباين، اتضح لقادة حماس أنه في ظل الأزمة في الخليج، لن تستطيع الحركة الاعتماد بعد على شبكة الأمان القطرية، التي كانت مضمونة لها في العقد الأخير.
هكذا في نهاية شهر حزيران بدأت تصل شاحنات الوقود عبر معبر رفح بتمويل الإمارات العربية المتحدة وبرئاسة دحلان إلى القطاع، بحيث أصبح يمكن استخدام الكهرباء بين خمس إلى ست ساعات يوميا، مقارنة بثلاث ساعات في ذروة الأزمة. في الأيام العشرة الأخيرة، زارت بعثتان تابعتان لحماس من القطاع القاهرة والتقيتا مع أفراد الاستخبارات المصرية وعناصر دحلان. شارك في أحد اللقاءات يحيى السنوار أيضا، وهو زعيم حماس في غزة.
قال أمس (الثلاثاء)، أحمد يوسف، مستشار رئيس المكتب السياسي، إسماعيل هنية، أن الجانبين يتباحثان وثيقة التسويات التي تتضمن 13 بندا. إنها تتضمن، من بين أمور أخرى، اتفاقيات حول زيادة عمل معبر رفح بشكل يتيح تنقل سكان غزة عبره أكثر، ومنح مكانة جديدة لدحلان وعناصره في معبر رفح. لم يتم توضيح الصلاحيات بعد. بدأت تعمل عناصر دحلان في الأسابيع الماضية على ترميم المعبر، بفضل تمويل حجمه خمسة ملايين دولار من أموال الإمارات العربية المتحدة. رغم ذلك، فإن الأخبار المسربة لوسائل الإعلام العربية التي تشير إلى أن حماس ستوافق على أن يكون دحلان رئيس الحكومة في القطاع يرفضها كل المشاركين في المحادثات.
وفق أقوال يوسف، تتضمن التسويات منح قياديي فتح وعناصر دحلان مصادقة للعودة إلى القطاع، حيث هربوا منه عام 2007، وإقامة لجنة تسوية داخلية لدفع تعويضات لعائلات قتلى عناصر حماس وفتح الذين قُتِلوا أثناء المواجهات بين كلا الجانبين في القطاع حينذاك. كما وتطالب مصر حماس بزيادة العمل في المنطقة المحايدة المضادة للأنفاق في حدود سيناء في رفح وإيقاف العلاقات مع ذراع داعش في سيناء.
كما هو معروف، تحافظ إسرائيل على تنسيق مكثّف مع مصر، ولكنها ليست راضيا تماما عن كافة تفاصيل التسوية المتبلورة. يتطرق القلق الإسرائيلي الأساسي إلى إمكانية استغلال حماس التسهيلات في رفح لتهريب وسائل قتاليّة وكذلك “مواد ثنائية الاستخدام”، مثل الإسمنت، الذي يُستخدم لحفر الأنفاق وإقامة تحصينات تساعد على تحسين منظومة الوسائل القتالية أيضًا. ويبدو أن إسرائيل ما زالت ترغب في المخاطرة بشكل محسوب: قبول المخاطرة إلى حد معين لتعزيز الجناح العسكري لحركة حماس، إذا ضمنت بهذا استبعاد خطر الحرب الفوري في الجنوب وزيادة التأثير المصري في ما يحدث في القطاع.
نُشر هذا المقال للمرة الأولى في موقع “هآرتس“