أصبحت احتفالات الذكرى الـ 52 لتأسيس حركة فتح في غزة تظاهرة قبيحة لمشاجرة جماعية بين مؤيدي الرئيس محمود عباس وبين خصمه الرئيسي محمد دحلان. التصدع الظاهر بين القيادة “الشرعية” برئاسة عباس وبين دحلان – الذي يرفض من إقامته في دبي الاعتراف بإسقاطه من الحركة في حزيران 2011 بتهمة محاولة الانقلاب ضدّ عباس – هو جزء من صراع الخلافة الذي دخل إلى حالة تأهب قصوى في مؤتمر فتح السابع في تشرين الثاني الماضي.
قبل ثلاثة أشهر فقط أنكر دحلان أنه يرغب في خلافة عباس، مدعيا بشكل مفاجئ أنّه يدعم ترشح رجل فتح السجين مروان البرغوثي، الذي حظي بمعظم الأصوات في الانتخابات الداخلية للجنة المركزية في الحركة. ولكن في خطاب مصوّر نشره في صفحته على فيس بوك بمناسبة ذكرى تأسيس فتح في 31 كانون الأول، على خلفية صورة الحرم القدسي الشريف، علم فلسطين كبير، وصورة لياسر عرفات، بدا دحلان كقائد في المنفى بكل ما معنى الكلمة.
كما هو متوقع، كان خطاب دحلان مشبعا بالنقد – التلميحي والعلني – على سلوك أبو مازن كرئيس للسلطة الفلسطينية. تطرق الخطاب تحديدا إلى اتهام عباس بالخضوع المخجل للإملاءات الإسرائيلية. تركز نقد دحلان على الادعاءات بالفساد والمحسوبية ضد عباس من جهة، والتدخل الصارخ للسلطة التنفيذية في أعمال السلطة القضائية من جهة أخرى. تحظى هذه الادعاءات بصدى واسع في الشارع الفلسطيني.
اتهم دحلان عباس بالتنازل عن المزايا ذات الجودة للفلسطينيين في صراعهم ضدّ إسرائيل، والتي أصبحت “وسائل محظورة، محتقَرة، أو هامشية”. برعاية عباس، أصبحت القضية الفلسطينية سلسلة من “الوثائق، القرارات والمؤتمرات” التي حلّت مكان النضال الشعبي العازم. بحسب أقوال دحلان، هناك نوع من الخيانة لإرث عرفات، الذي فضّل دائما إبقاء كل الخيارات مفتوحة أمام إسرائيل. “كان أبو عمار يعلم أنّ العمل الدبلوماسي وحده لا يكفي”.
رثى دحلان الحالة الاقتصادية الصعبة للفلسطينيين، وخصوصا في قطاع غزة، مدعيا أنّ الوضع المتفجر قد يندلع “كبركان” ويدمّر كل شيء. ومع ذلك، بخلاف الخطاب المقبول في فتح، تجنب دحلان ذكر حماس باسمها كمسؤولة عن الحالة الفظيعة في غزة. هناك أكثر من تلميح في ذلك بأنه يعتبر حماس حليفا مستقبليا في قيادة السلطة الفلسطينية. اتهم دحلان أيضًا أبو مازن بالمضي المتسرّع نحو الانتخابات العامة عام 2006 دون تجهيز حركته كما ينبغي (الأمر الذي أدى إلى فوز حماس)، و “التنازل عن غزة قبل انقلاب حماس وخلاله”.
عكست مقترحات دحلان الملموسة بشكل تام تقريبا مقترحات زميله السجين البرغوثي: إعادة تعريف العلاقات مع إسرائيل، وقف التنسيق الأمني، الإعلان عن فلسطين كدولة تحت الاحتلال، وتطبيق قرارات المصالحة مع حماس. طالب دحلان بـ “الاعتراف المتبادل” بين إسرائيل وفلسطين كدولتين وليس “اعترافا أحادي الجانب”، أي اعتراف فلسطين بإسرائيل مقابل اعتراف إسرائيلي مهين بمنظمة التحرير الفلسطينية. وطالب أيضًا بالوقف الفوري والتام للمفاوضات مع إسرائيل، سواء في المسار الثنائي أو الإقليمي.
يبرز الآن ثلاثة قادة شباب كخلفاء محتملين لأبي مازن. فهم يتحدثون العبرية بطلاقة، بعد أن تعلّموها في السجون الإسرائيلية؛ الأول هو البرغوثي، والآخران هما – الرجوب ودحلان – اللذان خدما كرؤساء الجهاز الأمن الوقائي القوي تحت رئاسة ياسر عرفات، الأول في الضفة الغربية والثاني في غزة.
نزول عباس عن المسرح ينذر بنهاية عصر “الخارج” في قيادة جماعية فلسطينية. سيكون القائد الفلسطيني القادم على الأرجح شخصًا نشأ في الأراضي المحتلة وعاش سنواته التكوينية تحت الاحتلال الإسرائيلي وليس في العواصم العربية. يكمن في ذلك خطر على مستقبل العلاقات الإسرائيلية – الفلسطينية، كما تظهر ذلك أنشطة البرغوثي العنيفة في بداية العقد الماضي، ولكن أيضًا فرصة نادرة بالنسبة لإسرائيل ممثّلة بشخصية قائد فلسطيني يحظى بدرجة شرعية شعبية غابت على مدى سنوات طويلة في قيادة أبو مازن.
نشر هذا المقال لأول مرة في منتدى التفكير الإقليمي.