ليست هذه أوّل مرّة تشهد فيها قيادة فتح صراعات. فخلال أكثر من نصف قرن، لم تتوقف في الحركة عروض الصراعات في القمّة. لكن يبدو أنّ ثمة أمرًا مختلفًا هذه المرّة.
فخلافًا للجولات السابقة، خرج كلّ شيء إلى العلَن هذه المرّة، إذ إنّ دحلان وعبّاس على حدّ سواء لم يتركا أيّ مجال للخيال، أو للشائعات. ربما بوحي من الربيع العربيّ، الشعب هو مَن يحكم هذه المرّة.
بعد الخطاب غير المسبوق الذي ألقاه أبو مازن أمام رجال فتح، الذي بُثَّ أمام التلفزيون الفلسطيني وكان شديدًا بشكل لم يسبق له مثيل، لم يلزم دحلان الصمت. ففي مُقابلة مع التلفزيون المصري (ليس من قبيل الصدفة، إذ إنّ صلات دحلان ممتازة مع النظام الحاليّ في مصر)، اتّهم دحلان أبا مازن بالتعاون مع مرسي والإخوان المسلمين، لقّبه “قرضاي” و”رئيس الوكالة اليهودية”، ودعا إلى إنشاء لجنة تحقيق عربية برئاسة عمرو موسى للتحقيق في أفعاله.
والسؤال هو ما الذي أخرج أبا مازن عن هدوئه ليفتح جبهة مشتعلة إلى هذا الحدّ ضدّ دحلان (على سبيل المثال، أوعز بالتوقّف عن دفع رواتب للمقرّبين منه في أجهزة الاستخبارات الفلسطينية)، رغم أنه يعرف طبيعة دحلان جيّدًا، ويدرك أنه لن يبقى صامتًا.
تكمن الإجابة، كما يبدو، في علاقات دحلان المميَّزة بالنظام الجديد في مصر، ولا سيّما بالمُشير عبد الفتّاح السيسي.
فدحلان والسيسي صديقان منذ سنوات، وقد التقيا مؤخرا بشكل علنيّ، ما أغاظ عباس، الذي عبّر عن امتعاضه علنًا. في توازن القوى الإقليمي، التحالُف مع مصر هو الثروة الأهمّ لأيّ زعيم فلسطيني. يشعر عباس أنه يفقد الدعم المصري، وبذلك يخسر ما تبقّى من شرعيّته. وطبعًا، إنّ ادّعاءات دحلان أنّ عباس حاول التقرّب من مرسي والإخوان المسلمين عبر الدعم والمشورة، لا تخدم الأخير أبدًا.
اليوم، يلتقي عباس بالرئيس أوباما. تضاءلت التوقّعات من عملية السلام التي يقودها كيري إلى حدّ الاندثار. والقليل الذي سيطلبه أوباما هو إطالة أمد المفاوضات. يعرف دحلان جيّدًا إلى أين آلت الأمور، بما في ذلك من مصادره في إسرائيل، لذلك اختار ضرب عباس في الموضع الذي يؤلمه، طالبًا منه التعهُّد بعدم تمديد المفاوضات.
إذًا، سيدخل عباس اللقاء، مُطاردًا بمشاكل سياسيّة معقّدة، خلافًا للتلميحات التي يوحي بها دحلان بأنه الوحيد القادر على تحقيق المصالحة مع حماس في الوقت الحاليّ. فما هو احتمال أن يتمكّن من التعامُل بموضوعيّة مع الاقتراحات التي سيضعها الرئيس الأمريكي على الطاولة؟