قد يعكس إطلاق الصواريخ أمس (الإثنين) من سيناء باتجاه منطقة النقب الجنوبية، وهي الحادثة الثانية من نوعها في أقل من أسبوعين، تغييرا في عمل ولاية سيناء، ذراع محلي لتنظيم داعش. لم تحدث إصابات في كلا الحالتين (عند إطلاق الصواريخ باتجاه إيلات في السابق، نجحت القبة الحديدية في اعتراضها) ولكن يبدو أن التنظيم يهدف إلى تأسيس “معادلة ترهيب” جديدة، ضد إسرائيل لأنه يعتقد أنها تقدم مساعدة نشطة لقوات الأمن المصرية التي تحاربه.
أفضليات ولاية سنياء واضحة: الهدف الأهم لديها هو سفك دماء نظام الجنرالات المصري. مقارنة بذلك فإن محاربة إسرائيل هي قضية هامشية. لم تُجرَ محاولات جدية لإلحاق ضرر بأهداف إسرائيلية سوى عملية مميتة واحدة في إسرائيل عام 2011 (قُتل فيها ثمانية مواطنين وجنود من شمال إيلات)، في الفترة التي كان فيها التنظيم جزءا من القاعدة، وكذلك عندما أطلق صواريخ باتجاه إيلات. إلا أنه يظهر مؤخرا أن شيئا ما تغيّر. يعود تفسير ذلك، على ما يبدو، إلى سلسلة النجاحات المصرية في الأشهر الماضية، في الهجوم الجوي الذي ألحق ضررا كبيرا بنشطاء داعش، وفق التقارير، وبزعيم داعش في سيناء سابقا.
تشير إسرائيل ومصر إلى تنسيق أمني مكثّف بينهما على طول الحدود، ولكنهما لا تتحدثا عن التفاصيل. تنسب داعش إلى إسرائيل تقديم مساعدة استخباراتية لدعم الجهود المصرية ضد التنظيم وكذلك شن هجوم جوي مسلح باستخدام طائرات دون طيار. منذ إطلاق الصواريخ باتجاه إيلات، جرى هجوم عدة مرات ضد أهداف داعش في أنحاء سيناء. أصيب في الهجوم مؤخرًا، مساء يوم السبت، بعض نشطاء التنظيم. يشكل إطلاق الصواريخ أمس صباحا تحذيرا لإسرائيل: لا يمكنها مراقبة ما يحدث في سيناء. سيؤثر احتدام القتال في الجانب الشرقي من الحدود.
إلا أن اتهام إسرائيل تلقائيا في وسائل الإعلام العربية بشن هجوم طيارات دون طيار ليس دقيقا. فبدأت مصر في الأشهر الأخيرة باستخدام طائرات دون طيار مصنّعة في الصين واسمها “وينق لونق”. وفق النشر في مواقع إنترنت مختلفة، باعت الصين في السنوات الماضية طائرات دون طيار من طرازات مختلفة لعدة دول عربية، ومن بينها مصر، السعودية، العراق، والإمارات العربية المتحدة. كذلك فإن حالات الهجوم الكثيرة في سيناء في الأسابيع الماضية، التي قُتل فيها مواطنون، قد تشهد على أن القوات الأمنية المصرية مشاركة بشكل مركزي في الهجوم.
يمكن القول إن النمط القتالي لداعش في سيناء ضد إسرائيل، الذي انتقل من الأقوال إلى الأعمال الأولية، يستند إلى تغيير قادة النخبة في فرع داعش. يتزعم التنظيم الآن ناشط مصري، ليس من مواليد شبه الجزيرة، ويُعتبر أنه يقود خطا هجوميا وفق مصطلحات داعش أيضا. ثمة اعتبار آخر ذي صلة بما يحدث في مثلث القوى بين حماس في غزة، والسلطات المصرية، وفرع داعش في سيناء. حتى وقت ليس بعيد، تعاونت حماس وفرع داعش في سيناء سرا ضد المصريين. عالجت حماس جرحى داعش الذين هُرّبوا من سيناء إلى مستشفيات في قطاع غزة وتعاونت مع نشطائها في عمليات التهريب.
ولكن في الأشهر الأخيرة طرأ تغيير في العلاقات بين القاهرة وغزة. بدأت مصر بتخفيف الضغط في معبر رفح والسماح بتنقل الأفراد والبضائع بشكل كبير. في المقابل، وعدت حماس بإيقاف المساعدة لداعش. وفقا لذلك هناك سببان لفرع داعش في سيناء للغضب من حماس: تعزيز العلاقات بين حماس ومصر ومعاملة صارمة تبديها حماس ضد التنظيمات السلفية، المقرّبة من داعش التي اعتُقل عشرات من عناصرها في غزة. في حال أدى احتدام القتال في الحدود المصرية إلى إقحام القطاع فيه أيضا، فلن تندم داعش على ذلك.
تؤكد حكومة نتنياهو بصيغتها الجديدة منذ تعيين أفيغدور ليبرمان وزيرا للدفاع منذ أيار في العام الماضي، أنها لن تتساهل مع أية محاولة استفزازية وأي إطلاق نيران باتجاهها. هكذا تتعامل مع إطلاق الصواريخ من غزة وحتى مع حالات التسرب، غير المقصودة غالبا، لإطلاق قذائف أثناء تبادل النيران بين نظام الأسد والثوار في الحدود السورية في هضبة الجولان.
ولكن الواقع مختلفا في سيناء. تعتبر مصر والأردن شريكتين هامتين في المجال الأمني الإسرائيلي في المنطقة. يكمن الرد، على ما يبدو، من خلال تعزيز التنسيق مع مصر، أملا في أن تنجح قواتها الأمنية في المزيد في حربها ضد داعش. ومع ذلك، على الأمد البعيد، ربما نشهد تهديدا جديدا نسبيًّا قد يؤثر في التوازن المعتدل بين إسرائيل، مصر، حماس وداعش، في سيناء وقطاع غزة.
نُشر هذا المقال للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس”.