إن إنكار الهولوكوست هو ظاهرة واسعة وتعتبر جريمة جنائية في دول كثيرة في العالم، وخصوصا في إسرائيل والدول الأوروبية. ينقسم أولئك الذين ينكرون الهولوكوست إلى مجموعتَين، إحداهما تزعم أنّ الهولوكوست لم يحدث إطلاقا، وتشكّك الثانية في حجمها، وبمسؤولية النازيين عن الفعل. ورغم هذا التقسيم، فالمشترك بين كلتا المجموعتين هو أنّ منكري الهولوكوست مستمرّون في التمسّك بادعاءاتهم رغم كل الأدلة والشواهد المعروفة سواء من قبل ألمانيا نفسها والأسرى النازيين، أو من قبل دول الحلفاء والناجين اليهود الذين مرّوا بفظائع الهولوكوست. إذن، فما هي ادعاءاتهم الرئيسية؟
من المثير للاهتمام في نفس السياق عرض الادعاءات المضادّة، وخصوصا أنّه في حالات كثيرة يكون إنكار الهولوكوست لخدمة مصالح سياسية وبعيدا عن أن يكون “إعادة نظر في التاريخ” كما يعرضه الكثيرون. ومن الجدير ذكره أنّ ظاهرة إنكار الهولوكوست منتشرة بشكل أساسيّ في أوساط المجموعات المؤيدة للنازية والتنظيمات الغربية المعادية للسامية، بالإضافة إلى الدول العربيّة وفي أوساط الجهات الإسلامية وخصوصا المتطرّفة منها.
ما هي ادعاءات منكري الهولوكوست؟
الادعاء رقم 1: حجم الهولوكوست كان أصغر بكثير
يشكّك قسم كبير من منكري الهولوكوست بحجم الهولوكوست كما تم ذكرها وتوثيقها من قبل غالبية المؤرخين في العالم. يدّعي أولئك، على سبيل المثال، أنّ العدد 6 مليون يهودي تمّ قتلهم في الهولوكوست هو مبالغة جامحة. بالإضافة إلى ذلك، يقول هؤلاء إنّ الكثير من الذين قُتلوا لم يكونوا يهودا، وتمّ تضخيم عدد اليهود بشكل كبير في وسائل الإعلام.
إحدى الحالات الشهيرة لإنكار كهذا هي حالة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، الذي كتب في عمل بحثيّ قام به: “إنّ مصلحة الحركة الصهيونية في تضخيم أعداد القتلى في الحرب يهدف إلى [ضمان] إنجازات كبيرة. أدى الأمر إلى تأكيد العدد، وتقريره في الرأي العام العالمي وبذلك إثارة المزيد من تأنيب الضمير والمزيد من التعاطف تجاه الصهيونية بشكل عامّ”. من الجدير بالذكر أنّه في مقابلات صحفية لاحقة تراجع عباس عن أقواله وقال إنّه لا ينكر الهولوكوست.
وبالإضافة إلى ذلك، وكجزء من تقليص حجم الهولوكوست، هناك من يحاول مقارنة الهولوكوست بأحداث أخرى قُتل فيها الكثير من الناس، رغبةً في إظهار أنّ الهولوكوست كان حدثا هامشيًا ولا ينبغي التطرق إليه باعتباره إبادة منهجية جماعية هي الأكبر ممّا عرفته البشرية.
إنّ الأدلة على قيام الهولوكوست والعدد 6 مليون تأتي من عدّة مصادر: أولا من ألمانيا نفسها، إذ لا تزال حتى اليوم تدفع تعويضات لإسرائيل على أفعالها، وممّا لا يحصى من الوثائق التي تم تحريرها بدقّة وأوصلت إلى العدد 6 مليون، ومن شهادات للقادة النازيين الذين تمّ أسرهم، وشهادات شخصية للناجين من الهولوكوست. مصدر آخر للأدلة هو جيوش الحلفاء التي قامت بتحرير معسكرات الاعتقال والإبادة ووثّقت النتائج من خلال الأفلام والصور.
الادعاء رقم 2: الشهادات على وجود الهولوكوست ليست موثوقة
هناك ادعاء رئيسي عند أولئك الذين يهاجمون وجود الهولوكوست وهو أنّ النازيين لم يستخدموا غرف الغاز لقتل الجموع اليهودية. إحدى الحالات الشهيرة هي “تقرير لوشتر” الذي كُتب من قبل المهندس الأمريكي فريد لوشتر. وهي وثيقة تظهر أنّه لا يوجد بقايا لغاز السيانيد في جدران غرف الغاز في أوشفيتس، وذلك وفقا لعيّنات تمّ أخذها عام 1999. الإخفاق الرئيسي في عمل لوشتر هو أنّه ليس هناك أي تفسير حول سبب افتراض وجود بقايا الغاز في الجدران وحتى بعد أكثر من 50 عاما من التعرّض للطقس الشرق أوروبي.
يدّعي البعض أيضًا أنّ الأفلام والأدلة التي تُقدّم فيها نتائج الإبادة والتي تمّ عرضها بعد الحرب تمّ إنتاجها خلال الحرب كدعاية ضدّ النازيين من قبل الحلفاء. ادعاء آخر في هذا التيار من منكري الهولوكوست هو أنّ عددا كبيرا من الأكاديميين والمؤرّخين يخاف من الاعتراف بأنّ الهولوكوست أسطورة، خوفًا من فقدان أماكن عملهم.
ومن الجدير ذكره أنّه بالإضافة إلى شهادات جيوش الحلفاء التي حرّرت معسكرات الاعتقال والإبادة ووثّقت النتائج بأفلام وصور، فقد تراكمت أطنان من الوثائق والصور من مصادر مختلفة توثّق الهولوكوست، وفي إسرائيل، أوروبا، الولايات المتحدة، هناك متاحف مجالها هو الحفاظ على المواد التاريخية والأدلة على الهولوكوست.
الادعاء رقم 3: تمّ اختراع الهولوكوست من قبل اليهود والأمريكيين
يدّعي الكثير من منكري الهولوكوست أنّ ثمّة مؤامرة يهودية أمريكية أو بريطانية ترغب في أن يظهر اليهود كضحايا من أجل شيطنة للشعب الألماني. عادة ما يكون أولئك الذين يتمسّكون بادعاءات كهذه هم أشخاص يؤمنون بنظريات المؤامرة. وهناك ادعاء آخر وهو أنّ الولايات المتحدة شجعت قصّة المظالم التي قام بها الألمان ضدّ اليهود من أجل السماح بإنشاء دولة إسرائيل.
وراج هذا الادعاء الأخير في العالم العربي والإسلامي الذي يُكثر من الادعاء بأنّ الهولوكوست كان تزييفا صهيونيا اخترعه الصهاينة من أجل تبرير إقامة دولة إسرائيل وتجريد الفلسطينيين من حقوقهم في كامل أراضي فلسطين.
أحد منكري الهولوكوست ممّن يحملون هذا الادعاء هو الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، الذي وصف الهولوكوست بصفته “أسطورة” اخترعها الصهاينة، وقام بتأسيس لجنة لدراسة الهولوكوست كحدث تاريخي، “دون القيود التي تمّ فرضها على الباحثين في أوروبا” في إيران في 11 كانون الأول عام 2006.
بالإضافة إلى أطنان الوثائق التي توثّق خطّة الإبادة التي دبّر لها الألمان ونفّذوها، والتي سُمّيت “الحلّ النهائي”، فإنّ الدافع الرئيسي في أوساط الإسلام المتطرّف والفلسطينيين لطرح هذا الادعاء هو الهجوم السياسي ونزع الشرعية عن دولة إسرائيل والصهيونية ولا يتعلّق بحقائق تاريخية.
الادعاء رقم 4: الألمان ليسوا مسؤولين عن الهولوكوست
يركّز جانب آخر من إنكار الهولوكوست على مسؤولية الألمان عن هذا الفعل. هناك من يدّعي أنّه على الرغم من حقيقة تنفيذ الجرائم، فلم تكن هناك قيادة رئيسية أمرت بتنفيذها، ولذلك فليس هناك أية مسؤولية على القيادة النازية في تنفيذ هذه السياسة ضدّ اليهود. بالإضافة إلى ذلك، لم تكن هناك أوامر محدّدة من أدولف هتلر أو من أي شخص آخر في قيادة الحزب النازي لإبادة اليهود، رغم أنّ تركيز اليهود في معسكرات الاعتقال واستخدامهم في أعمال السخرة قد تسبّب في الواقع بوفاتهم.
ومع ذلك، فقد ألقى هتلر خطابا عام 1939 يتعلّق بإبادة اليهود بشكل مباشر، وقال الآتي: “اليوم أريد أن أكون نبيّا هذه المرة أيضًا. إذا استطاع المال اليهودي الأوروبي خارج وداخل أوروبا مرة أخرى على زجّ دول العالم في أتون حرب عالمية، فلن تكون النتيجة بلشفة الكرة الأرضية وانتصار اليهودية، وإنما إبادة الجنس اليهودي في أوروبا”. وتم توزيع ملصق يحمل هذا النصّ عام 1941 مع التوجيه أنّه يجب تعليقه في كلّ دائرة حكومية.
الادعاء رقم 5: اليهود هم المسؤولون عن الهولوكوست
يحمّل الكثير من منكري الهولوكوست اليهود مسؤولية مصيرهم، حيث يقولون إنّ اليهود قد مثّلوا نخبة في معسكرات الاعتقال، وأداروا تلك المعسكرات في الواقع، وأنّ “كافوس” (مديرو العمل من الأسرى أنفسهم) كانوا مسؤولين عن قتل ونهب الأسرى الآخرين، وأنّ حدوث الهولوكوست كان تحت مسؤولية اليهود وحتى أنها عادت على الشعب اليهودي بالمنفعة.
يحاول هؤلاء أن يقولوا إنّ الهولوكوست كانت ردّة فعل مبرّرة أو مبرّرة جزئيًّا للأفعال التي قام بها اليهود. يحاول أولئك الذين يستخدمون هذه الادعاءات في ألمانيا بشكل أساسيّ أن ينقّوا الضمير الشخصي والجماعي لألمانيا وأوروبا، وأن يبرّروا – من بين أمور أخرى – التراخي في مواجهة مثل هذا العمل الفظيع.
ونشير أيضًا إلى وجود دوافع اقتصادية أيضًا لإنكار الهولوكوست، وخصوصا في أوساط أبناء بلدان أوروبا الشرقية الذين يخشون من مطالبات التعويض من قبل اليهود، وهي مطالبات موجّهة إلى دولهم أو أسرهم التي تحتفظ بممتلكات يهودية سُرقت في فترة الهولوكوست. ولذلك فهم يحاولون إنكار وجود الهولوكوست في مناطقهم أو تبريرها.
نشير في النهاية إلى الوصف الشهير للسياسي العربي البارز في إسرائيل، أحمد الطيبي، الذي قال التالي عن ظاهرة إنكار الهولوكوست: “ليس هناك ما هو أكثر غباء ولا أخلاقية من إنكار الهولوكوست. لماذا؟ لأي هدف بالضبط يفعل ذلك من يفعله؟”
ويضيف قائلا: “يجب الوقوف بشجاعة ضدّ ظواهر إنكار الآخر، قمعه، وإنكار الهولوكوست. أنا، أحمد الطيبي، عربي منتصب القامة، فرح وفخور بأنّني في نفس الجانب الذي فيه مفكّرون عرب بارزون، والذين خرجوا بقوة ضدّ ظواهر إنكار الهولوكوست في الشرق الأوسط وفي أماكن أخرى من العالم”.