أريئيل شارون مستغرِق في سُبات منذ 2006، وبين الحين والآخر، ينقل الإعلام الإسرائيلي آخر أخبار وضعه الصحي، كيف يتجاوب مع محيطه، وهل يتحدث الأطباء عن نشاط دماغيّ لديه. كما يتحدث الإعلام عن ابنَيه عُمري وجلعاد، اللذَين يعتنيان بوالدهما، الذي كان رئيس الحكومة بين 2001 و2006، ليُدفع بعدها إلى غياهب النسيان.
فمَن هو الرجل الذي كان يبدو بنيامين نتنياهو إلى جانبه مجرّد سياسيّ آخر؟
شخصيّة مُثيرة للجدل
شخصية شارون هي مثارُ خلافٍ، في إسرائيل وخارجها. فهو معروف كمقاتل جريء، بطل حرب بعد عام 1967، ومنقذ الدولة في حرب 1973. بالتباين، يُعتبَر شارون بالنسبة إلى كثيرين رجلًا عدوانيًّا، متهوّرًا، فاسدًا، وحتّى مخادعًا، جرّ إسرائيل إلى حروب لا طائل منها.
في البداية، اعتُبر شارون بطل اليمين و”أبا المستوطَنات”. لكن بدءًا من عام 2004، هاجمه اليمينيون، ولا سيّما المستوطِنون، بسبب برنامج فك الارتباط من غزة حينذاك. كان سُخط اليمين على شارون هائلًا، حتى إنّ رجال دين يهودًا معروفين في إسرائيل رفضوا الصلاة من أجل سلامته بعد دخوله الغيبوبة.
عسكريّ مُكلَّل
أدخل أريئيل (إريك) شارون، المولود باسم أريئيل شاينرمان، إلى وحدات سلاح المشاة ووحدات النخبة عقيدة المعارك. عام 1953، دُعي شارون لإنشاء الوحدة 101، كوحدة تكون قادرة على إنجاز عمليات في عُمق أراضي العدوّ. تحت إشرافه، تحوّلت الوحدة 101 إلى وحدة الكوماندوز الأولى في الجيش الإسرائيلي.
في حرب 1967، قاد شارون الشعبة 38، التي وُضعت في القطاع الجنوبي. حظي شارون بالثناء على المعارك التي قادها في أم كتف وأبو عجيلة، المعركة التي اعتُبرت إحدى أنجح المعارك في تاريخ جيش إسرائيل، ودُرّست بعد ذلك في أكاديميات عسكرية في أنحاء العالَم.
في حرب 1973، أشرف شارون على عملية “فرسان القلب”، بالعبرية “أفيري ليف”. كانت العمليّة من أعقد العمليات التي جرت خلال الحرب عامّةً وعلى الجبهة الجنوبية خاصّةً. وقد غيّرت العملية وجه الحرب، إثر اجتياز الجيش الإسرائيلي قناة السويس، ما أدّى إلى طلب مصر وقف إطلاق النار.
كذلك عرض شارون طيلة خدمته في الجيش، كوزير، وكرئيس حكومة، نظرة قتال للإرهاب دون تسويات – لإخضاع الإرهاب بكل الوسائل التي في حوزته. قاتل الإرهاب في غزة بيدٍ من حديد، وأدّت العمليات مثل الاغتيالات المنظّمة، وهدم البيوت، إلى نقد جماهيريّ قاسٍ ضدّه. وهو يُعتبَر في العالَم أحد أكبر الاختصاصيين في الحرب على الإرهاب.
حرب لبنان، صبرا وشاتيلا
كقائد عسكري ذي كاريزما، عمل شارون سنوات طويلة على هواه، دون الانصياع لقادته. فقد كتب دافيد بن غوريون، رئيس الحكومة الأول، عن شارون يومًا: “شاب مفكِّر، مبدِع، وإذا تغاضينا عن أنه لا يقول الحق في تقاريره، يكون قائدًا عسكريًّا نموذجيًّا”.
بدأت حرب لبنان بمحاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن، شلومو أرغوف، التي قادت إسرائيل إلى ضرب منشآت منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، مما أدى إلى قصف مركز مدينة كريات شمونة وطول الحُدود على الجليل بوابل قوي من صواريخ الكاتيوشا.
أدّت خسائر الجيش الإسرائيلي، إلى جانب الشائعات أنّ شارون ضلّل رئيس الحكومة حينذاك، مناحيم بيغن، حول مدى اجتياح الجيش الإسرائيلي لبنان، إلى هبوط حادّ في شعبية الحرب وإلى إلحاق الأذى بالمكانة الجماهيريّة لشارون.
وخلال احتلال الجيش الإسرائيلي العاصمة اللبنانية، بيروت، في أيلول 1982، ارتكب حزب “الكتائب اللبنانية” مجزرة في مخيمَي اللاجئين الفلسطينيين صبرا وشاتيلا جنوب العاصمة. وأتت المجزرة بعد اغتيال بشير الجميّل، الزعيم في الحزب، الذي انتُخب رئيسًا للجمهورية بدعمٍ إسرائيليّ. دخلت الكتائب مخيمَي صبرا وشاتيلا مساءَ 16 أيلول، وخلال وقتٍ قصير بدأت بالقتل يمنةً ويسرة.
في أعقاب الضغوط من الرأي العام، محليًّا وعالميًّا، عُيّنت لجنة تحقيق رسمية، لجنة كاهِن، للتحقيق في المجزرة. قرّرت اللجنة أنّه رغم عدم تورُّط الجيش الإسرائيلي مباشرةً في المجزرة، فقد كان شارون مسؤولًا عن تجاهُل خطر قيام الكتائب بعمليات ثأر على اغتيال قائدها في مخيّمات اللاجئين.
نتيجةً لذلك، أوصت اللجنة بإعفاء شارون من مهامّه، وعدم تسليمه وزارة الأمن (الدفاع) مجدّدًا. طوال سنوات، ولا سيّما بعد مجزرة صبرا وشاتيلا، نظر كثيرون في العالم إلى شارون كمجرِم حرب.
“انتفاضة الأقصى”
في عهد حكومة إسحاق رابين، عارض شارون بشدّة معاهدة أوسلو، التي رأى فيها خطرًا شديدًا على أمن الدولة. وبعد هزيمة نتنياهو في انتخابات أيار 1999، انتُخب شارون في أيلول رئيسًا للّيكود، ليكون زعيمًا للمعارضة في عهد حكومة إيهود باراك.
في 28 أيلول 2000، قام شارون بزيارة حظيت بتغطية إعلامية إلى الحرم القدسي، وأعلن أنّ “لكلّ يهودي الحقّ في زيارة جبل البيت”. رأى الفلسطينيون في هذه الزيارة سببًا لاندلاع الانتفاضة الثانية. في وقتٍ لاحق، كشفت سهى عرفات، قرينة رئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات، في مقابلة تلفزيونية أنّ انتفاضة الأقصى التي اندلعت عام 2000، خطَّط لها زوجها.
بعد ذلك، حين أصبح شارون رئيسًا للحكومة، بلغت موجة الإرهاب ضدّ إسرائيليين، التي جرى التعبير عنها في تفجيرات انتحارية، مستوياتٍ غير مسبوقة عامَي 2001 و2002. وبعد فترة من التحفُّظ النسبي، انتهج شارون سياسةً تصعيدية.
وفي النهاية، بعد التفجير في فندق “بارك” في آذار 2002، وبعد أن قُتل في ذلك الشهر (الذي دُعي “آذار الأسود”) أكثر من 120 مدنيًّا وجنديًّا إسرائيليًّا، قررت الحكومة برئاسته احتلال المنطقة التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية (منطقة A) في إطار عملية “الدرع الواقي”. فتّتت العملية البنى الإرهابية في الضفة الغربية، ونجحت في خفض عديد قتلى التفجيرات كثيرًا.
في الفترة نفسها، أطلق شارون عملية بناء جدار فصْل يفصل بين إسرائيل والضفة الغربية، بهدف التقليل من عدد التفجيرات. بالنسبة لكثيرين، مثّل هذا الجدار انشقاقًا أيديولوجيًّا عن ماضي شارون، الذي كان يدعم طيلة حياته مبدأ “أرض إسرائيل الكاملة” بقوة، ولكنه الآن اعترف بتقسيمها. بقي مسار جدار الفصل مثارَ جدل، وأضحى مركز عاصفة دُولية.
كديما والسُّبات
كان آخر النشاطات السياسية لشارون قبل دخوله الغيبوبة إنشاء حزب “كديما”. انشقّ شارون في 21 تشرين الثاني 2005 عن حزب الليكود، الحزب الذي أنشأه. وأثناء توليه رئاسة الحكومة، أنشأ حزبًا جديدًا – حزب “كاديما” (قُدُمًا).
تأسّس الحزب إلى حدٍّ كبير على شخصية شارون، وسرعان ما انضمّ للحزب الكثير من السياسيين، بينهم إيهود أولمرت وشمعون بيريس. لكنّ سُبات شارون عام 2006 وهبوطه عن المنصة فجأةً أدّيا إلى هزة عنيفة لحزب كاديما، الذي وجد نفسه قبل أقلّ من ثلاثة أشهر من الانتخابات دون زعيمه، الرجل الذي كانت شخصيته دعامة الحزب.
أُصيب شارون (الذي يبلغ الآن 86 عامًا) بنزيف داخل الدماغ في كانون الثاني 2006، ونُقل بدايةً إلى مستشفى هداسا عين كارم في القدس، حيث بُذلت جهود لإعادته إلى الوعي التام، لم تُجدِ نفعًا. في أيار من السنة نفسها، نُقل إلى المركز الطبي شيبا، ومذّاك يمكث في وحدة إعادة الأهلية التنفسية في المستشفى.
وفي تشرين الثاني 2010، نُقل بطلب من أفراد أسرته إلى مزرعة “هشكميم” لفتراتٍ قصيرة، سعيًا لإنتاج بيئة طبية داعِمة في بيته، لكن في نهاية المطاف تقررت إعادته إلى شيبا، حيث يمكث حتّى الآن.