أثناء زيارة رئيس الحكومة نتنياهو الأخيرة إلى واشنطن أطلق الرئيس ترامب نسخة سلام جديدة: “إقامة دولة واحدة أو دولتين، كل إمكانية يوافق عليها كلا الجانبين”. يعكس الحديث النشط في وسائل الإعلام العربية والفلسطينية منذ ذلك الحين الاعتراف بأن تحقيق رؤيا السلام بات بعيدا ليس بسبب سياسة إسرائيل فحسب، بل بسبب إدارة القيادة الفلسطينية غير السليمة، وبسبب استمرار النزاع بين فتح وحماس. فضلًا عن ذلك، يحدد الإعلاميون العرب والفلسطينيون أن اقتراح حل الدولتين لا يعكس الواقع والحقائق في الحلبة الفلسطينية.
أوضح وجهة النظر هذه المفكر المصري، مصطفى الفقي (عمل في مناصب حكومية سابقا)”لم تكن الساحة الفلسطينية منقسمة على ذاتها مثلما هي الآن، إذ تجاوز الانقسام المواجهات بين الفصائل المختلفة ليصل إلى الانقسام داخل الفصيل الواحد”، خاصة في داخل حركة “فتح”. أشار الفقي إلى أنه في ظل الوضع الصعب في العالم العربي، وسياسة إدارة ترامب الغامضة، على الرئيس الفلسطيني الفاقد للكاريزما أن يتعاون مع محمد دحلان، الذي يحظى بدعم عربي، غربي، وإسرائيلي أيضا.
طرح زميله الدكتور وحيد عبد المجيد، شغل منصبا في الحكومة المصرية سابقا أيضا، ادعاءات شبيهة في الصحيفة اليومية المصرية الأهرام. انضم إلى كلا السياسيَين الشاعر والإعلامي الفلسطيني راسم المدهون وكذلك الإعلامي اللبناني أحمد جابر، الذي نحب تأثير اليسار المنخفض في الحلبة الفلسطينية مقارنة بتأثير إيران، التي نجحت في تعزيز مكانة اللاعبين الجهاديين.
في السنوات الأخيرة تحارب الحكومة المصرية التنظيمات الإرهابية في سيناء. وتطالب، من بين أمور أخرى، بقطع العلاقة بين هذه التنظيمات وبين جهات متطرفة في غزة، وإضافة إلى ذلك تطالب بتليين الحوار الديني في أوساط الشبان في غزة وتأهيل شبان ذوي قدرة على تحمل القيادة في المستقبل. في السنوات الأربع الأخيرة، استضافت مصر بعثات شبان من غزة في المنتجع السياحي “العين السخنة”. عُقد في بداية هذا الشهر لقاء إضافي من بين لقاءات أخرى، شارك فيه محامون، صحافيون، رجال تربية، وشبان أصحاب مهن حرة أخرى من غزة. تطرق اللقاء إلى موضوع “تجديد الخطاب الديني لدعم القضية الفلسطينية”.
أدار اللقاء رجال تربية خبيرون من جامعة الأزهر، بمشاركة مفكرين علمانيين، مما ساهم في نقل رسالة التسوية والتعايش قدما. عرض خبراء الأزهر الموضوع من زاوية فقيهة، وتطرق آخرون إلى الحاجة إلى تحقيق دعم المجتمع الدولي وثقته. وظهر من خلال تبادل الآراء بين المستضيفين المصريين وبين الضيوف الغزيين أن المصريين يؤمنون بالديناميكا في غزة أكثر مما يحدث في رام الله، ذات القيادة غير السليمة بفضل النزاعات الداخلية.
تتجسد الديناميكا في غزة في “القنبلة” التي أطلقها موسى أبو مرزوق، عضو المكتب السياسي في حماس وممثل الحركة في محادثات التسوية مع فتح التي تُجرى أحيانا في مصر. في شهر كانون الأول من العام الماضي، طرح أبو مرزوق اقتراح لإقامة حكومة فدرالية بين غزة والضفة. خشيت قيادة فتح من أن حماس تنوي التخلي عن فكرة الدولة الفلسطينية، واتهم أفرادها أبو مرزوق أنه شجع الوزير أيوب قرا على المطالبة بإقامة “دولة غزة الكبرى” تتضمن شمال سيناء.
باتت السلطة الفلسطينية قلقة جدا من هذه الفكرة، ولا يبعث رفض مصر مرارا وتكرارا لهذه الفكرة الطمأنينة في أوساط قيادتها. يدعي إعلاميون مقربون من فتح أيضًا أن سياسة دول الخليج مثل السعودية وقطر، التي تستعد لإقامة سفارة في غزة، تدعم هذه الفكرة.
ليس صدفة أن الكتاب “‘صناعة الانقسام الفلسطيني”، لوزير الثقافة الفلسطيني، إبراهيم أبراش، يحظى في يومنا هذا بعصر جديد من الحوار العام والفكري في فلسطين، بعد مرور ثلاث سنوات على نشره. ادعى أبراش أن مرور تسع سنوات على الانقسام، الذي فُرض على الحلبة الفلسطينية منذ سيطرة حماس على غزة، أدى إلى تدهور الوضع الفلسطيني سياسيا، اجتماعيا، اقتصاديا، وثقافيا بعشرات السنوات. فقد ساهم في زيادة الحصار على غزة وإضعاف الطريق السياسي والنزاع المسلح على حدٍّ سواء. هذه الحال هي بمثابة نكبة ثانية للشعب الفلسطيني “دمرت الحلم والأمل” وفق ادعاءات أبراش.
في هذه الأيام، يعمل الرئيس الفلسطيني، أبو مازن، على ضمان المصالح الفلسطينية في مؤتمر القمة العربية المتوقع إجراؤه في نهاية الشهر. هناك خوف كبير من فكرة “السلام الإقليمي” لأنها قد تشجع تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية دون تحقيق حل الدولتَين. كل ذلك في الوقت الذي يزداد فيه الشرخ الفلسطيني الداخلي، وتطرح سرا أفكارا بديلة لهذا الحل.
نُشر هذا المقال لأول مرة في منتدى التفكير الإقليمي