إذا كنتم تعتقدون أن صورة حقائب الدولارات، والاحتفالات بالأموال النقدية التي وصلت إلى غزة تشكل إحراجا لدى نتنياهو فحسب (إنها صعبة وخطيرة حقا)، يجدر بكم الانتباه إلى الضرر الهائل الذي تسببت به لحماس أيضا. لم يتمالك عناصر حماس أنفسهم، فأطلقوا حملة استعراضية، والتقطوا فيها صورا إلى جانب الأموال النقدية. أطلِقت ادعاءات خطيرة تجاه الحركة التي يبدو أنها تنازلت عن الأهداف الرسمية كليا، أي الادعاء أن حماس ترغب في تمثيل كل الفلسطينيين أو على الأقل غالبية سكان غزة الذين يعيشون في ظل حكمها منذ 11 عاما، والتي يتصرف قادتها كزعماء حزب، مليشية، يعملون لصالح المقربين.
سعت حماس تحديدا إلى توسيع دائرة المستفدين، بأكبر قدر ممكن، من الأموال القطرية، تضمن ذلك إعطاء 100 دولار لخمسين ألف عائلة. هكذا يمكن الحصول على المال: يجب على المواطن إدخال رقم بطاقة الهوية، وتاريخ الميلاد إلى موقع أقيم لهذا الهدف تحديدا، ثم يمكنه أن يعرف إذا كان يستحق الحصول على الهدية المالية غير المتوقعة أم لا. في وسع كل مواطن في غزة أن يفحص استحقاقه، ولكن سيفوز 50 ألف مواطن بالجائرة المالية فقط، ويبدو أن الفوز سيكون من نصيب 50 ألف مواطن في غزة تربطهم علاقة بحماس. أما بقية مواطني غزة، الذين تعدادهم نحو مليون ونصف لن يحالفهم الحظ.
أصرت حماس على تلقي الأموال نقدا، ويمكن أن نخمن السبب – يمكن إخفاء الأموال النقدية مهما كانت تخضع للمراقبة، ولكن عندما تُنقل الأموال لهدف محدد (يجب تمييز هذه الأموال عن الأموال التي تنقل بهدف المشاريع، الرواتب، وغيرها) من الصعب التصرف بها بحرية، إذ إن المراقبة على هذه الأموال تكون صارمة. لم تكن سابقا العلاقة بين العنف والفساد بازرة إلى هذا الحد أبدا. لقد دُفعت الأموال مقابل حياة الشبان الذين لاقوا حتفهم أثناء التظاهرات. أثارت هذه الحقيقة استياء لدى فلسطينيين كثيرين، إضافة إلى الغضب الذي أثارته حملة تسويقية معادية لحماس، يديرها السعوديون بكل الوسائل المتاحة أمامهم، وتصف حماس كذراع إيراني تنازلت عن النضال ضد إسرائيل، وعن الشبان الغزويين الذين أصبح الكثيرون منهم معاقين بعد أن شاركوا في مسيرات العودة، كل هذا مقابل الأموال القطرية، التي تضمن صمود حماس.
يمكن أن تتهم حماس نفسها فقط. الغرور والعار يسيران معا: مَن بدأ “مسيرات العودة”، وأرسل طلاب المدارس وهم يحملون مفاتيح كرتون للمشاركة في التظاهرات والعودة إلى فلسطين التي كانت قبل 48، ينهي النضال بوقف إطلاق النيران على الأمد الطويل ضد إسرائيل، مقابل الحصول على مساعدة دولية، وهذه السياسة لا تختلف عن السياسة المتبعة مع السلطة الفلسطينية منذ أن أصبح أبو مازن خلفا لعرفات.
أقول لكم (من جهتي) كيف يجب التفكير في تسوية مع حماس، افتراضا أن التفاؤل سيصمد لأكثر من أسابيع أو أشهر قليلة: إذا افترضنا أنه ليس هناك الآن احتمال لاتخاذ خطوة تاريخية بين إسرائيل والفلسطينيين، فإن الوضع الذي تدير فيه إسرائيل هدنتين على الأمد الطويل مع كيانين فلسطينيين مختلفين، ومتنزعين، ليس وضعا سيئا. كما أن إسرائيل ليست لديها علاقة سلام مع أبو مازن والسلطة الفلسطينية، بل هناك تفاهم حول من المسؤول عن السلطة، إذ أن الأفضليات المالية والأخرى لمنع العنف تتفوق على السلبيات. طالما أن هناك خطرا لخسارة الأفضليات، ستكون السيطرة على العنف سارية المفعول. لا يتطلب هذا الوضع من الفلسطينيين التوصل إلى رد حول تقسيم فلسطين، ولا يعرضهم للمجاعة. كل ما فعلته حماس، يشكل تطبيقا للسياسة التي يتبعها أبو مازن.