يقف ثلاثة أشخاص في قلب العاصفة في إسرائيل، في الأيام الأخيرة، وهم أعضاء الكنيست الثلاثة: جمال زحالقة، باسل غطاس وحنين زعبي، وهم أعضاء الكنيست العرب من حزب التجمع الوطني الديمقراطي. أثار لقاء الأعضاء الثلاثة بأهالي منفّذي عمليات الطعن الفلسطينيين الذين احتجزت إسرائيل جثثهم، وحقيقة أنهم قد وقفوا دقيقة صمت لذكراهم مع قراءة الفاتحة، غضب الكثير من الإسرائيليين.
وصل الغضب إلى رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الذي قرّر ردا على ذلك مشروع قانون جديد يسمح بطرد أعضاء الكنيست الذين يدعمون الإرهاب. قال نتنياهو من على منصة الكنيست: “لسنا مستعدين لقبول وضع يدعم فيه أعضاء الكنيست أسرَ قتلة مواطني إسرائيل ويقفون دقيقة صمت لذكرى الإرهابيين الذين قتلوا أبناءنا. للصبر حدود! لدينا كرامة وطنية”!.
من الواضح، إذن، أنّ حزب التجمع هو الحزب الأكثر تحدّيا للخطاب السياسي في إسرائيل اليوم. والأكثر من ذلك، هو أن السبب يعود إلى المؤسس و “الأب الروحي” للحزب، الدكتور عزمي بشارة الذي طُرد من إسرائيل في أعقاب قضية تجسس خطيرة عام 2006. ورغم أنّ بشارة يقيم اليوم في قطر، ولكن الإرث الذي خلّفه يوجّه الممثّلين الثلاثة في الكنيست.
قبل دخول بشارة السياسة، كان يُعرف عنه أنه مثقف وبدأ دراسته في الجامعات الإسرائيلية في حيفا والقدس، وأنهى أطروحة الدكتوراة في فلسفة كارل ماركس في الجامعة الشيوعية هومبولت في برلين الشرقية.
كانت فلسفته المركّبة في قضايا العروبة، القومية والديمقراطية استثنائية في تعقيدها، وقد ابتعد عن الوطنية الفلسطينية وعن التطرف الديني على حد سواء. بل إنّ بشارة قال في مقابلة تلفزيونية إنّه يعتقد أنّه لا وجود للشعب الفلسطيني، وإنما فقط للأمة العربية. وأكّد قائلا: “رغم كفاحي الشديد ضدّ الاحتلال لم أتحوّل ذات مرة إلى وطني فلسطيني”.
ولكن يبدو أنّ أعضاء الكنيست الحاليين للتجمّع لم يرثوا من بشارة رؤيته الفلسفية، وإنما ميوله في إحداث استفزاز في كل فرصة ممكنة. ففي السنوات الأخيرة من نشاطه في إسرائيل كان يبدو أنّ طاقته مكرّسة لإغضاب الإسرائيليين: لقد زار سوريا وأعرب عن دعم نظام بشار الأسد، وزار الضاحية الجنوبية في بيروت للإعراب عن دعم حزب الله، بل وحتى تفوه بألفاظ نابية ضدّ أعضاء الكنيست الإسرائيليين.
يحاول كل واحد من الأعضاء الثلاثة الحاليين في حزب التجمع الوطني الديمقراطي محاكاة زعيمهم بشارة وإغضاب المؤسسة الإسرائيلية بالشكل الأكثر تطرّفا. يبدو أنّ عضوة الكنيست زعبي قد تفوّقت على الجميع، عندما شاركت في أسطول حركة IHH الإسلامية التركية لغزة أو عندما قالت إنّ اختطاف وقتل الشبان اليهود الثلاثة ليس عملا إرهابيا.
وقد تميّز عضو الكنيست زحالقة أيضًا بالصراخ واستخدام التعبير “فاشيّ” ضدّ أعضاء الكنيست اليمينيين الإسرائيليين. أحد استفزازات زحالقة الخالدة كثيرا في الذاكرة هو عندما غادر أستوديو مقابلة تلفزيونية إسرائيلية وصرّح بأنّ الأستوديو مقام على أرض قرية الشيخ مؤنس التي هُجرت عام 1948.
وأيا كان الأمر، فالتجمع هو حزب يتحدى بالشكل الأكثر تطرّفا دولة إسرائيل اليوم، ويفعل ذلك من داخل حدودها. والسؤال الذي بقي مفتوحا هو متى ستقرر المؤسسة الإسرائيلية بأنّها لم تعد تتحمل أكثر هذا الحزب المغروز كالشوكة في جلد إسرائيل.