تزايدت في الأسابيع الأخيرة العمليات الإرهابية لتنظيم “أنصار بين المقدس” في سيناء. يمكن التقدير، أنّ زيادة نطاق عمليات التنظيم، التي تمتدّ إلى المدن المصرية، متأثّرة بتوثيق علاقاته مع تنظيمات إرهابية ليست مصرية وعلى رأسها داعش بالإضافة إلى شركاء جهاديين سلفيين من غزة، وهو يشكّل تحديًا خطيرًا أمام الشعور بالأمن والاستقرار لدى نظام الرئيس السيسي. على هذه الخلفية نفهم أيضًا زيادة عمليات الجيش المصري في الآونة الأخيرة ضدّ الإرهاب في سيناء. وقد حدث من أجل ذلك تقارب متجدد بين الولايات المتحدة ومصر، ووفّرت الولايات المتحدة لجيش الرئيس السيسي مروحيّات هجومية من نوع أباتشي، كتعبير عن التعاون بين كلتا الدولتين في المعركة ضدّ الإرهاب.
تتركز العمليات الإرهابية المكثّفة التي يقوم بها تنظيم أنصار بيت المقدس في سيناء بشكل أساسي في شمال ووسط شبه الجزيرة، ومؤخرًا أيضًا على الحدود مع ليبيا، وتركّز على مهاجمة الجنود، الكمائن، زرع القنابل على جوانب الطرق ومهاجمة خطّ أنابيب الغاز. أصبحت هجمات التنظيم أكثر جرأة وفتكا، وتم تنفيذ بعضها بخصائص تذكّرنا بأسلوب داعش الوحشي، والذي يشمل الإعدام بدم بارد لمجموعة من الجنود المصريين وقطع رؤوس من يتم القبض عليهم كخونة ومرتدين.
ينبغي التأكيد على أنّ داعش تكشف في الآونة الأخيرة عن اهتمام كبير بما يحدث في ليبيا وتسعى لاستغلال الفوضى السائدة في تلك الدولة المقسّمة لتلقّي دعم من التنظيمات الجهادية، التي تعمل فيها واستخدامها كنقطة انطلاق لدول مجاورة لها وفي مقدّمتها مصر
وتبرز في هذا السياق العلاقات الوثيقة بين أنصار بيت المقدس وبين داعش في السنة الأخيرة. نقل التنظيم المصري، الذي عبّر في إعلان تأسيسه في أواخر العام 2011 علنًا عن ولائه للقاعدة وزعيمها الجديد الظواهري، كما يبدو ولاءه مؤخرًا لأبي بكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش، الذي نصب نفسه خليفة. وبذلك فهو يتحدى قيادة الظواهري، في استجابة لطلب رجال داعش. ظهر مؤخرًا بوضوح طبيعة ونطاق العلاقات بين التنظيمين في أعقاب الكشف عن مواد تحقيق نادرة أطلقتها السلطات المصرية، بعد اعتقال أحد كبار العناصر في التنظيم المصري. كان العنصر، عادل حبارة، في السابق قائدًا كبيرًا في تنظيم الجهاد الإسلامي المصري، من أتباع الظواهري، وكان من أعطى في آب 2013 أوامر مهاجمة وقتل نحو خمسة وعشرين جنديًّا مصريًّا، والذين تم إنزالهم من حافلة كانت تقلّهم وتمّ إطلاق النار عليهم بدم بارد من قبل مهاجميهم. ظهر في تفريغ المحادثات التي جرت بين مسؤولي كلا التنظيمين، أنّ عناصر أنصار بيت المقدس أخبروا زملاءهم من داعش عن المذبحة التي قاموا بتنفيذها وطلبوا منهم تمويلا مقابل الدعم اللوجستي، بما في ذلك الحصول على وثائق ليبية من أجلهم وتقديم يمين الولاء.
وينبغي التأكيد على أنّ داعش تكشف في الآونة الأخيرة عن اهتمام كبير بما يحدث في ليبيا وتسعى لاستغلال الفوضى السائدة في تلك الدولة المقسّمة لتلقّي دعم من التنظيمات الجهادية، التي تعمل فيها واستخدامها كنقطة انطلاق لدول مجاورة لها وفي مقدّمتها مصر. وهكذا، أمسك المصريون مؤخرًا بخلية من عناصر داعش، والتي حاولت التسلل من ليبيا إلى مصر. ويُذكر أنّ تنظيم أنصار بيت المقدس أيضًا يعمل في تلك المنطقة وفي هذا الإطار قام عناصره بتنفيذ هجوم على موقع عسكري مصري على الحدود الليبية راح ضحيّته 22 جنديًّا مصريًّا.
تساهم غزة أيضًا في التعاون بين تلك التنظيمات الجهادية في سيناء. رغم أنّ العلاقة بين أنصار بيت المقدس والتنظيمات الجهادية السلفية ليست جديدة، فقد تلقّى في الآونة الأخيرة دفعة هائلة حول عملية “الجرف الصامد”. عبّر تنظيم أنصار بين المقدس خلال العملية عن دعمه علنًا لنضال أهل غزة بل وأطلق صواريخ باتجاه البلدات: بني نتساريم، كتسيعوت وإيلات. وتم الإمساك بسيارة أخرى مليئة بصواريخ عناصر التنظيم من قبل قوات الأمن المصرية قبل أن يستطيعوا إطلاقها باتجاه إسرائيل. وقد أطلق التنظيم المصري أيضًا إرهابيًّا انتحاريًّا إلى معبر كرم أبو سالم ولكن تم اغتياله من قبل عناصر حرس الحدود المصريين قبل تنفيذ خطّته. وفي هذا السياق من الجدير أن نذكر، بأنّه تم مؤخرًا الإعلان في غزة عن تنظيم جهادي سلفي جديد باسم “أنصار الدولة الإسلامية في غزة”. وثق عناصر هذا التنظيم أنفسهم وهم يطلقون الصواريخ باتجاه أهداف مختلفة في إسرائيل خلال عملية “الجرف الصامد” في الوقت الذي ينقلون فيه أقوال أبي مصعب الزرقاوي، سلف تنظيم داعش، ويعبّرون عن تأييدهم لتنظيم الدولة الإسلامية.
https://www.youtube.com/watch?v=5RgWYCIwIWA
استُخدمت غزة أيضًا كمكان للاختباء وكممرّ لعناصر داعش الذين كانوا في طريقهم منها إلى سيناء. بهذه الطريقة على سبيل المثال قام المصريّون بالقبض على شبكة من عناصر داعش، بلغ تعدادها 15 عضوًا، من بينهم سوريّون، عراقيّون، مصريّون، والذين قاتلوا في صفوفها قبل أن يتمكّنوا من الانضمام إلى عناصر أنصار بيت المقدس في سيناء بهدف تنفيذ عمليات إرهابية مشتركة ضدّ قوات الأمن المصرية.
يعمل أعضاء أنصار بيت المقدس (إلى جانب تنظيمات محلّية أصغر مثل الفرقان، أجناد مصر وجيش الإسلام) في مصر أيضًا. وتشمل عملياتهم إطلاق نار باتجاه الشرطة والحواجز، اغتيال مسؤولين مصريّين ورجال الشرطة الذين ينتمون إلى قوات الأمن. ركّز التنظيم مؤخرًا على عمليات في مناطق مجاورة للقصر الرئاسي في القاهرة وفي مباني الوزارات الحكومية.
رغم أن تنظيم داعش حتى الآن لم يعمل على أرض مصر، ولكن في أعقاب تصريح الرئيس المصري بأنّ بلاده ستساهم في التحالف الدولي ضدّ داعش؛ دعا الناطق باسم التنظيم، العدناني، شركاءه في سيناء إلى زيادة حدة الهجمات ضدّ قوات الأمن المصرية – والذين وصفهم باليهود، وجنود فرعون مصر الجديد – ودعاهم إلى مهاجمة قواعدهم، السيطرة على منازلهم وقطع رؤوسهم.
تم مؤخرًا الإعلان في غزة عن تنظيم جهادي سلفي جديد باسم “أنصار الدولة الإسلامية في غزة”
على ضوء ذلك كله، شن الجيش المصري هجومًا كثيفًا على التنظيمات الإرهابية في سيناء. إنّه يقوم باعتقالات ضدّ نشطاء كثر، يقصف من الجوّ مواقع لهم ومواقع إطلاق الصواريخ تحت الأرض، ويدير معارك صعبة مع مطلوبين وقادة كبار في التنظيم.
استمرت الحرب ضد أنفاق التهريب من قطاع غزة دون هوادة، ورغم نجاح الجيش المصري في تدمير مئات الأنفاق منذ أن بدأت العملية لكشفها، يبدو أنّها ما زالت تشكّل تهديدًا حقيقيًّا على سلامة المصريين في سيناء. ولذلك يبدو أنّه في الأسابيع الأخيرة ستتكثّف الحرب التي يديرها الجيش المصري وقواها الأمنية ضدّ الإرهاب المتنامي في سيناء، والذي يضر أيضًا داخل مصر. إنّ حقيقة أنّ مصر مضطرة الآن إلى مواجهة التهديد الإرهابي الحادّ واليومي في مناطق مختلفة؛ داخلها، في سيناء، في الحدود الليبية والحدود مع غزة، كلّ ذلك يُلزمها بجهود مركّزة وتعاون مع حلفائها الإقليميين والدوليين. تعتبر إسرائيل دون شك حليفًا وشريكًا مخلصًا ضدّ الإرهاب الجهادي السلفي، وخصوصًا لكونها هدفًا لهجمات تلك التنظيمات.
أعرب ضباط كبار في إسرائيل مؤخرًا عن أنّهم يرون في داعش في هذه المرحلة عدوّا بعيدًا لا تبدو إسرائيل في نظره هدفًا أوليًّا وبالتأكيد ليس في المدى القصير. ومع ذلك، من الجدير الانتباه للتحالف الذي يتوثق بين داعش وأنصار بيت المقدس وتنظيمات جهادية سلفية في غزة. يجعل هذا التوجه من داعش هدفًا استخباراتيًّا فوريًا، للتتبع والوقاية مع التعاون الوثيق مع شركاء عرب وغربيين على حدّ سواء.
ورغم أنّه من المفضل لإسرائيل أيضًا عدم الوقوف في جبهة الحملة العالمية ضدّ داعش، فهذا أمر واضح لأنّ عليها تقديم قدراتها المثبتة في مجال الاستخبارات والعمليات لصالح الحملة العالمية من أجل منع توسع الإرهاب الجهادي السلفي، الذي يقف على حدودها في الجنوب، الشمال وفي المستقبل كما يبدو في الشرق أيضًا.
نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع INSS