يُثير البرنامج النووي الإيراني الكثير من القلق في إسرائيل ودول أخرى، إثر الخشية من أن تكون إيران تسعى لإنتاج سلاح نووي، يُشكّل خطرًا وجوديًّا على إسرائيل ودول أخرى.
ويهدف العمل ضدّ البرنامج النووي الإيراني لإحباط هذا البرنامج، أو تأخيره على أقلّ تقدير. خلال سنوات، مورس ضغط دبلوماسيّ وعقوبات ضدّ إيران، بهدف كبح طموحاتها في هذا المجال، وأُخبر عن أعمال سرّية مختلفة، بينها اغتيال عُلماء نوويين وتشويش عمل منشآت. فضلًا عن ذلك، عُنيت وسائل الإعلام كثيرًا بإمكانية مهاجَمة المنشآت النووية في إيران مِن قِبل إسرائيل، الولايات المتحدة، ودُول أخرى.
يبدو أنّ المحادثات النووية التي انتهت نهاية الأسبوع الماضية، ويُتوقّع أن تُستأنف في 20 تشرين الثاني الجاري، لا تثني صانعي القرار في أروقة وكالات الاستخبارات عن مُواصلة العمل السري. فاغتيال نائب الوزير الإيراني أمس في قلب طهران يطرح السؤال: مَن المسؤول عن قتل العُلماء والمسؤولين الإيرانيين؟
يبدو أنه لن يكون ممكنًا على الإطلاق نيل إجابة قاطعة عن هذا السؤال، لكنّ التقديرات الاستخباريّة يمكن أن تعطي لمحة عن عالَم الأشباح الذي يُدار في الساحة الإقليمية في السّباق لمنع إيران من حيازة سلاح نووي، يمكن أن يغيّر قواعد اللعبة ويتيح لقوى غير مرغوب فيها أن تعيد السيطرة على الشرق الأوسط تحت تهديد استخدام السلاح النووي، وفقًا لإسرائيل وحلفائها في هذه القضية، الدول العربية.
يمكن الإشارة إلى العام 2010 كنقطة بداية الأحداث الغريبة واغتيالات المسؤولين الإيرانيين. ففي كانون الثاني 2010، أكّدت وكالة الأنباء الرسمية في طهران اغتيال البروفسور مسعود محمدي، عالِم نووي ذي دور فاعل ومركزي في المشروع. وشكّلت التفاصيل التي نُشرت حول الاغتيال نموذجًا لعدد من الأحداث المماثلة التي جرت بين كانون الثاني 2010 حتى اغتيال أمس (10 تشرين الثاني 2013)، مع اغتيال نائب وزير الصناعة أبادي.
وفقًا لتقارير في وسائل الإعلام الأجنبية، فإنّ معظم مساعي إسرائيل ضدّ البرنامج النووي الإيراني يقوم بها، كما يبدو، “الموساد”. وفي مقابلات مع الإعلام الأجنبي، ادّعى رئيس وكالة الاستخبارات البريطانيّة MI6، السير جون سويرس، إنّ عملاء بريطانيين أيضًا قاموا بإلحاق الأذى بطموح إيران لحيازة سلاح نووي.
ووفقًا للتقديرات، جرى على مرّ السنين عمل سريّ ضدّ البرنامج النووي الإيراني، شمل:
• بيع منتَجات ومُنشآت (مثل أجهزة طرد مركزي) معطوبة للمنشآت النووية الإيرانية وتشويش عمل المنشآت النووية، مثلًا عبر فيروسات شُغّلت ضدّ أجهزة الطرد المركزي في نطنز.
• تشجيع فرار علماء إيرانيين إلى الغرب.
تمّ طبعًا نفي أنباء عديدة على مرّ السنين من قِبل النظام الإيراني، خشيةَ خلق بلبلة زائدة بين العاملين النوويين والمسؤولين عن البرنامج. في الواقع، بدأت تقارير أولى عن تخريب، تفجيرات، واغتيالات تظهر قبل ذلك ببضع سنوات، منذ عام 2007، لكن لم يجرِ تأكيدها أبدًا، ولم تبثها الشبكات الإعلامية المحلية أو الإقليمية.
وفقًا لكتاب الصحفيَّين دان رفيف ويوسي ميلمان “حرب الأشباح” (Spies Against Armageddon )، كانت الاغتيالات في الغالب حصيلة عمل رجال “موساد” إسرائيليين.
بين الاغتيالات والأعطال، ثمة أحداث قاسية بشكل خاصّ، منها مَثَلًا:
• في كانون الأول 2005، قُتل 115 من رجال الحرس الثوري في تحطُّم طائرة هركوليس، فيما كانوا في طريقهم إلى تدريب عسكري في بندر عباس (مدينة مرفأ جنوب إيران). وتحطمت الطائرة التي كانت تُقلّهم داخل مبنى في العاصمة طهران.
• في كانون الثاني 2006، قُتل قائد القوات البرية في الجيش الإيراني، في تحطُّم طائرة فالكون غرب البِلاد.
• في تشرين الثاني 2006، قُتل 38 شخصًا، بينهم 32 مِن رجال الحرس الثوري، في تحطُّم طائرة بُعَيد إقلاعها من مطار طهران.
• أواسط كانون الثاني 2007، جرى تسميم البروفسور أردشير حسينفور، الذي عمل في منشأة لتحويل اليورانيوم في أصفهان. وأخبرت صحيفة “صانداي تايمز” أنّ عملاء الموساد هم من سمّموه. وكان حسينفور قد فاز عام 2006 بأرفع جائزة في العلوم والتكنولوجيا في إيران.
• في 15 تشرين الثاني 2007، جرت سلسلة تفجيرات في موقع صناعة عسكرية في مدينة بارتشين، حيث تُصنع صواريخ شهاب.
• في 25 شباط 2008، حدث تفجير قويّ في مدينة تبريز، التي تقع قربها قواعد صواريخ بالستية.
• في 12 نيسان 2008، قُتل اثنا عشر، وأصيب أكثر من مئتَين في تفجير خلال معرض سلاح.
اغتيال مسؤولين إيرانيين في المجال النووي:
• كانون الثاني 2010، البروفسور مسعود محمدي، عالِم نووي
• تشرين الثاني 2010، د. مجيد شهرياري، عالِم نووي
• تشرين الثاني 2010، د. فريدون عباسي، عالِم إيرانيّ أصيب في محاولة اغتياله
• تموز 2011، د. داريوش رضائي، عالِم نووي
• كانون الثاني 2012، مصطفى أحمدي روشن، عالِم نووي
• كانون الثاني 2012، علي فيماني، ضابط في الجيش
• أيلول 2013، مجتبى أحمدي، رئيس برنامج الحرب الإلكترونية
في معظم الحالات، تُؤثر إيران الرسمية النفي، منع نشر التفاصيل، وطرح تخمينات مختلفة حيال ظروف الحوادث. لكن في الشهر الماضي (تشرين الأول 2013)، تطرّق بشكل مفاجئ وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في مقابلة مع شبكة ABC الأمريكية لاغتيالات العلماء النوويين في بلاده، قائلًا: “لدينا ذخيرة كبيرة من العلماء. لا يمكن أن تقتل إسرائيل كل علمائنا. الولايات المتحدة هي ضدّ الإرهاب، ولكنها لا تردّ على الأعمال الإرهابية، وأتاحت لإسرائيل قتل عُلماء أبرياء. لسوء الحظّ، قتلت إسرائيل عددًا من العُلماء، ولم يحرّك أحدٌ ساكنًا حيال ذلك”.