زُفت البشرى إلى جمهور الطلاب الجامعيين في إسرائيل في صيف 2012 بقبول انضمامهم إلى جامعة أخرى من الجامعات في البلاد. “الكلية الأكاديمية يهودا والسامرة”، التي عملت منذ عام 1982 تحت الرعاية والإشراف الأكاديمي لجامعة بار إيلان والتي منذ 2005 باتت تعد فرعا مستقلا، اعتبرت جامعة من النخبة التي اتخذت اسم “جامعة أريئيل في السامرة”.
انتُقي أعضاء طاقم رفيعو المستوى، علماء وباحثون لبرامج تدريسية للقب الأول والثاني، أربع كليات نشطة في مجالات العلوم الصحية، الهندسية، علوم الطبيعة، وعلوم الاجتماع، معاهد للهندسة المعمارية والإعلام، مركز للتعليم قبل الأكاديمي ومركز تصميم وتكنولوجيا الذي يخرج من بين صفوفه مهندسين، إلى جانب وحدة العلوم الخارجية والاستكمال.
جامعة مثيرة للجدل
من يزور موقع الجامعة، يطّلع على معطيات توسع أفق النظر: لقد جند طاقم الجامعة في سنة 2011 من اعتمادات مالية تنافسية وجهات صناعية حوالي 10 مليون دولار لصالح الأبحاث وتطويرها. يأتي الطلاب من كل فئات السكان والطبقات التي تشكل المجتمَع الإسرائيلي: علمانيون إلى جانب متدينين، قادمون جدد إلى جانب إسرائيليين عريقين، عرب إسرائيليون إلى جانب يهود. “في هذا السياق”، كُتب في الموقع، “تشكل الجامعة مؤسّسة تُستخدم بوتقة انصهار لكل طبقات المجتمَع الإسرائيلي، والتي تدل، على رغم تنازع الآراء والاختلاف الفكري، الثقافي والأيديولوجي، على قدرتها الأكاديمية في أن تكون أساسا للتحاور وتقريب القلوب”.
لكن يرفض كثيرون في إسرائيل الاقتناع بالمغزى التصالحي الذي تحاول الجامعة بثّه. كان مخاض الجامعة عسيرا، مثقلا بالمراهنات والمصالح المتضادة. بل وثمة من يقول إن “جامعة المستوطِنين” ولدت آثمة، ورغم أن إسرائيل والولايات المتحدة تنظران إلى مدينة أريئيل، المدينة الإسرائيلية الأكبر في السامرة، كجزء لا يتجزأ من إسرائيل، فما زالت تقع في منطقة مختلف عليها بين إسرائيل والفلسطينيين وتمثل أكثر من غيرها سياسة الاستيطان لحكومات إسرائيل على تعاقبها.
على رأس المعارضين للجامعة، كان رؤساء الجامعات في إسرائيل، بل وأرسلوا رسالة لرئيس الحكومة الإسرائيلية، نتنياهو. “تُمنع التضحية بمستقبل التعليم العالي في إسرائيل. لأسفنا إن القرار الذي سيتخذ في النقاش… فيما يخص المركز الجامعي في أريئيل سيكون قرارا سياسيًّا ذا ثمن باهظ”.
تجلّت هذه الانقسامات واضحة على صفحات الصحف وجعلتها نشرات الأخبار شغلها الشاغل. لقد حاولنا أن نفهم لما أثيرت هذه الضجة حول الأمر وكيف تجري الحياة الطلابية من الداخل.
لقد فتحت الزيارة التي أجريناها في الجامعة أعيننا على التعقيد والتوتر وعلى شقوق دقيقة عن التعليم العالي في مؤسّسة تتضامن مع اليمين الإسرائيلي، أسئلة حول الهوية القومية والقضايا المحيرة للطلاب المعنيين بالحصول على التعليم العالي رغم الثمن.
“يفضلنا العرب لأننا محافظون، لا مثلَ تل أبيب”
في محادثة مع محافظ الجامعة، ومن كان وزير المالية الأسبق، حاول السيد يجآل كوهين أورجاد، أن يحطم “الأساطير” حول المؤسسة التي يمثلها. “يصل طلاب إلى جامعتنا من كل الأطياف السياسية في إسرائيل. يأتي 85 % من الطلاب الجامعيين في أريئيل إلينا من مدن وقرى مجاورة للخط الأخضر، و 15 % ممن تبقّى منهم هم سكان المستوطنات والبلدات في الضفة الغربية”، صرح قائلا.
في هذه الفرصة أكّد أن 600 طالب عربي إسرائيلي يصل كل صباح للتعلم في الجامعة والحصول على تعليمه العالي. “في الجلسات التي أديرها مع رؤساء السلطات والمدن العربية، أجابه في كل مرة نفس الادعاء. وهو أن العائلات العربية تُعنى بأن يتوافد أبناؤها للتعلم في أريئيل بسبب الأجواء. هنا لا يتعرضون لثقافة تل أبيب. أسلوب الحياة الجامعي في أريئيل ملائم لأسلوب حياة العائلات العربية، إنه أكثر صلابة، أكثر تماسكا. ولدينا طلاب فلسطينيون يأتون للتعلم في الجامعة للحصول على ألقاب عليا وهذا بعد إنهائهم اللقب الأول في جامعة النجاح في نابلس، أو تعليمهم في الأردن. نستقبلهم بأذرع مفتوحة ونحاول أن نفعل ما بوسعنا كي نسهل عليهم”، قال مضيفا.
الطلاب الجامعيون العرب: “نريد التعلم والتقدم، لا ننشغل بالسياسة”
أردنا أن نفهم أكثر ما يجعل الطلاب العرب الإسرائيليون يتعلمون في مستوطنة والتقينا شبانا عربا يتعلمون في الجامعة منذ سنوات. لمى خديجة (قلنسوة)، تتعلم في الجامعة منذ 2007 وستنهي في هذه الأيام اللقب الثاني في الاستشارة التنظيمية. بل وتشغّلها الجامعة هذه الأيام كمركزة الطلاب العرب ومن بين مهامها الحرص على راحة الطلاب العرب سواء من ناحية أكاديميّة أو من ناحية الوضع الجامعي الخاص.
في المقابلة معها، لا يمكن ألا تغض الطرف عن الحجاب المرتب الذي ارتدته على رأسها. يبدو المشهد سورياليا، ووجدنا أنفسنا مضطرين أن نذكر أنفسنا مرة بعد مرة أننا في قلب مستوطنة. كان السؤال الأول الذي طُرح عن كيفية تقبّل الآخرين لها في الجامعة. “أنا هنا منذ 2007 حتى قبل الإعلان عنها كجامعةً. لقد كافحت كي يعترفوا بها جامعة. تدور الحياة هنا حول التعلّم. يأتي الطلاب العرب الذين أعرفهم وأتعامل معهم يوميا إلى هنا كي يتعلموا، كي يحصلوا على الثقافة ويتقدموا. الأمور السياسية لا تشغل بالَنا”.
يطمح الجيل الجديد للشباب، مواطنو دولة إسرائيل العرب، لأن يطور حياة مهنية أكثر من أي شيء آخر. يرسي الاضطرار الوجودي من ناحيتهم توازنا بين الرغبات السياسية، المتمثلة في مطالبة الفلسطينيين بالاستقلال، وبين الاضطرار اليومي، الذي يتطلب منهم الإنجاز كي يتقدموا.
محمد (عمره 24 عاما) يأتي للجامعة كي يتعلم هندسة كهرباء. على النقيض من لمى، فهو يسكن في مساكن الجامعة. سألناه إن كان لديه أصدقاء مستوطنون وكيف يكون حال العربي المتعلم في مستوطنة. “الحياة هنا حياة طالب جامعي. أنا شخصيا جئت للتعلم. لدي هنا أصدقاء مستوطنون. ليست هناك احتكاكات بيننا. خلال حرب غزة الأخيرة، تقدم أحد الطلاب اليهود إليّ وطلب أن أعطيه بعض المواد التي فاتته بعد مكوثه فترة ما في غزة. لم تكن لدي أية مشكلة مطلقا بذلك، لقد أعطيته المواد التي كانت تنقصه”. أضاف محمد: “أنا لا أعير أهمية بالغة للأمور السياسية. جئت هنا كي أتقدم وأحصّل ثقافتي. سأعود للقرية وأعمل في التعليم. التعلم هو طريق التقدم الاجتماعي”.
الهوية الإسلامية تزداد بالذات ترسّخا
في المحادثات الشخصية أكثر، فهمنا أن الواقع معقد جدا. “كنت علمانية لا من وقت طويل. بالذات لأن الأجواء في الجامعة هي أكثر حفاظا، هذا رسّخ لدي الهوية العربية الإسلامية لذلك اتخذت قرار التوبة واتخذتُ الحجاب. في مدخل الجامعة بوابة وكان الفحص الأمني مشددا في بدايته، أما اليوم فالحراس يعرفونني ولا يضايقونني في المدخل”، قالت لمى في محادثة مقربة عن الحياة في الجامعة.
تختلف حياة الطلاب في أريئيل عن الأجواء السياسية الموّارة التي تميز المجمعات الطلابية الأخرى في إسرائيل. يمتنع الطلاب عن إبداء الرأي السياسي ويمتنعون عن اجتماعات احتجاجية، عربا ويهودا على حدٍّ سواء.
كذلك اعترفت لمى أمامنا أن حياة الطلاب العرب هنا صعبة “تخيل طالبا عربيا أنهى الثانوية في الطيبة أو الطيرة أو باقة الغربية بامتياز. يصل إلى هنا بلا تجربة حياتية، مع صعوبات في اللغة والتأقلم. وظيفتي هي مساعدته في ردم الفجوات بإعطاء دروس في العبريّة وتخصيص دروس تقوية. أنا أصارع المؤسسة وأطالب بالاهتمام بالطلاب المسلمين الذين يصومون في شهر رمضان وتخصيص مواعيد إضافية للمتحَنين العرب الذي يتغيبون أحيانا بمناسبة الأعياد أو المناسبات الإسلامية أو المسيحية”.
عدا عن المقاطعة والخلافات السياسية القومية حول مكان الجامعة، تطفو بعض القصص من وقت لآخر التي يمكن أن تطرح علامات استفهام حول الحرية الأكاديمية وحرية التعبير في المؤسسة- سواء لأفراد الطاقم الجامعي، أو الطلاب الجامعيين- من بينها بنود متضاربة ونشاط ديني مثير للجدل في التجمعات الطلابية.
مثلا، خلال الأشهر الأخيرة ثار جدال حامي الوطيس بين أفراد طاقم الجامعة الفتيّة بعد صياغة رؤية الجامعة. من بين الأهداف التي وضعتها الهيئة نُصب عينيها: “أن تكون مؤسّسة أكاديميّة من المؤسسات الرائدة عالميا، مؤسّسة صهيونية متعددة المجالات؛ أن تكون رائدة في الأبحاث، التعليم، وبخلق قواد للشعب اليهودي…”.
خلال النقاش الذي تمّ في أوائل شهر كانون الثاني/ يناير 2014 حول رؤية الجامعة تحفّظ عدة باحثين وأساتذة لهم مكانتهم على البند الذي يصنف المؤسسة كصهيونية. لم يكن واضحا لرؤساء الطاقم العلاقة المباشرة التي حاولت الجامعة ربطها بين الصهيونية والجامعة وادعوا أنه ينبغي التحدث بلغة أكاديميّة لا سياسية. بل قال أحد كبار المحاضرين: “أنا أحس أنه ليس مريحا للطلاب غير اليهود أن تكون لنا رؤية تتحدث عن قيادة يهودية”.
لقد تركت الزيارة واللقاء مع الطلاب والطاقم الذي يدير الجامعة علينا انطباعا بحرب يومية ومتقلبة: عواصف سياسيّة إلى جنب حياة طلابية هادئة، تعريج على الهوية القومية وفحصها من جديد إلى جانب التشارك المصيري والرغبة في التقدم وتحصيل التعليم العالي.