يحلم كل زوج إسرائيلي شاب، تزوج مؤخرا، بشراء شقة في إسرائيل. هناك ظاهرة أصبحت منتشرة مؤخرا، وهي أن الزوج المتزوج حديثا، ينتقل للعيش مع والديه، لتوفير المال وشراء شقة.
تشير أبحاث كثيرة أجريَت مؤخرا، إلى أنه في حين كانت في عام 2003 نسبة المواطنين الإسرائيليين في أعمار 25–34 الذين يسكنون في شقة خاصة بهم نحو 54% — ففي عام 2014 أصبحت نسبة الذين يسكنون في شقة خاصة بهم 39% فقط، وهو انخفاض نسبته نحو 15% للسكان الذين لديهم شقة في غضون أكثر من عقد بقليل.
أصبحت أسعار الشقق المتزايدة في السنوات الماضية عبئا ثقيلا على رب العائلة و “فقاعة سياسية مُستعرة”. حدد وزير المالية الحاليّ، موشيه كحلون، تقليل أسعار الشقق هدفا مركزيا في فترة ولايته. واتخذ بضع خطوات لمعالجة الموضوع. فأصبح يدفع مؤخرًا برنامج “السعر للساكن”، الذي يهدف إلى زيادة عرض الشقق بسعر زهيد بسرعة. فتُعرض في البرنامج، أرض تابعة للدولة على مقاولي البناء لبناء وحدات سكنية بسعر ضئيل. تنضم الأزواج الشابة التي تستوفي المعايير التي حددتها الحكومة إلى برنامج لإجراء سحب وتشارك الأزواج الرابحة، في عملية شراء شقة بسعر مُخفّض. إلا أن هذا البرنامج يقترح 70000 وحدة سكنيّة حاليًّا، في حين أن عدد المستحقين هو الضعف تقريبا.
فقاعة العقارات الإسرائيلية رهيبة
تُعتبر الفقاعة العقارية الإسرائيلية الفقاعة الأكبر التي حدثت ذات مرة. للمقارنة فقط، وصلت الفقاعة العقارية الأمريكية التي انفجرت (2006-2008) وهددت في تدمير الاقتصاد العالمي، إلى ذروتها عندما ارتفعت الأسعار بنسبة %50. ووصلت الفقاعة الإسرائيلية إلى أكثر من %100 منذ زمن.
كيف وُلدت هذه الفقاعة؟
يوافق معظم الخبراء في إسرائيل على أن مصدر الفقاعة هو في خطوات مالية وليس نتيجة هجرة الكثيرين أو ضرر كبير في الشقق. عندما وصل إلى إسرائيل، في التسعينيات، مليون مواطن روسي من الاتّحاد السوفياتي، حدثت أزمة سكنية حقيقية أدت إلى زيادة أسعار الشقق. طرأ ارتفاع الأسعار نتيجة نقص في التخطيط الهندسي للشقق السكنية. عندما طُرِح حل هندسي، من خلال البناء المُسرّع لوحدات سكن أصغر في حين تضاءل تدفق وصول اليهود من الاتّحاد السوفياتي، انخفضت الأسعار وأصبحت مُعتدلة ثانية.
الأزواج المتزوجة حديثا، تنتقل للعيش مع والديها، لتوفير المال وشراء شقة
كانت الخطوات المالية التي أدت إلى زيادة الفقاعة في إسرائيل مجددا هي خفض الفائدة حتى الصفر، وذلك بعد تقويض أسس الاقتصاد العالمي في الأزمة في عام 2008. خُفِضت الفائدة حتى الصفر في أوائل عام 2009 وكانت النتيجة ارتفاع الأسعار المُستمر حتى اليوم.
أدت الفائدة المنخفضة إلى زيادة حادة في الائتمان المصرفي الذي منحته البنوك، مُشكّلة وقودا للفقاعة العقارية. في حال الفقاعة العقارية، فإن الزيادة طرأت على القروض السكنية الممنوحة للجمهور.
كلما ازداد الائتمان المصرفي (القروض السكنية) زاد الجمهور من شراء الشقق، وازدادت أسعار الشقق بالارتفاع وكانت المعطيات الاقتصادية جيدة. هذا ما حدث في الولايات المتحدة عندما ازداد عدد القروض السكنية الممنوحة ووصل إلى ذروته في عام 2006؛ وهذا ما حصل أيضا في إسبانيا وإيرلندا اللتين تعتبران “أعجوبتين اقتصاديتين” طالما ازداد الائتمان المصرفي.
ولكن تكمن المشكلة أنه في مرحلة معينة لم تكن زيادة الائتمان المصرفي ممكنة وعندها بدأت الكرة الثلجية في التدحرج بالاتجاه المعاكس – توقف سعر الشقق عن الارتفاع، وأدى هذا إلى تغيير في العوامل النفسية لدى الجمهور، وإلى بطء آخر في سوق العقارات، وضرر نفسي آخر. أدت العمليّة في نهاية المطاف إلى زيادة الخسائر في الائتمان المصرفي من جهة البنوك، وأصبحت أكثر حذرا عند إعطاء الائتمان، وهذا ألحق ضررا في السوق وهكذا دواليك.
هل هناك نقص في الشقق في إسرائيل؟
للمقارنة فقط، وصلت الفقاعة العقارية الأمريكية التي انفجرت عام 2008 وهددت في تدمير الاقتصاد العالمي، إلى ذروتها عندما ارتفعت الأسعار بنسبة %50. ووصلت الفقاعة الإسرائيلية إلى أكثر من %100 منذ زمن
تشير معطيات دائرة الإحصاء المركزية بشكل قاطع إلى أنه ليس هناك نقص في الشقق في إسرائيل. منذ عام 2000، حقق عرض الشقق في إسرائيل في عام 2015 الذروة. ما تم تعريفه قبل نحو خمس سنوات أو ست سنوات كنقص في عرض الشقق، تم التغلب عليه منذ زمن.
صحيح أنه في عام 2009، طرأت حالة من الانخفاض مدتها 15 سنة على الأقل على عرض الشقق. بدءا من 30.8 ألف شقة سكنية كانت معروضة للبيع في عام 2000، انخفض احتياطي هذه الشقق إلى 14.5 ألف شقة في نهاية 2009. أشارت التقديرات في تلك الفترة إلى أن نقص الشقق السكنية كان سببا رئيسيا لارتفاع الأسعار، وأن الفشل البيروقراطي في سلطة أراضي إسرائيل وفي لجان التنظيم والبناء هو الذي أدى إلى النقص. دون إجراء تغييرات جوهريّة، ارتفع عرض الشقق بنسبة 50% خلال سنتين، وفي نهاية عام 2011 سُجل عرض حجمه 21.6 ألف شقة سكنية. ازداد العرض في السنوات الماضية، ويتضح من معطيات دائرة الإحصاء المركزية أنه في شهر آب 2015، وصل احتياطي الشقق إلى نحو 28 ألف، وهذه كمية ضعف الكمية التي كانت ناقصة في عام 2009 تقريبا.
لماذا ما زالت الأسعار آخذة بالازدياد؟
هناك اليوم معطيات كافية لمعرفة أن فرضية عرض الشقق غير صحيحة. يمكن نسب ارتفاع أسعار الشقق إلى انخفاض نسب الفائدة إلى حد كبير، وإلى ارتفاع نسب الضريبة على الربح من الأملاك – واللذان أديا إلى زيادة الطلب على الاستثمار في العقارات. الاستنتاج النهائي الواضح: أدى الأشخاص القادرون على شراء شقة، والذين يتمتعون بمكافآت في دفع الضريبة والفائدة إلى رفع الأسعار – أصحاب المداخيل العالية.
شقق الأحلام ليهود فرنسا والولايات المتحدة
الشارع الأشهر في تل أبيب هو شارع بن يهودا، وهو قريب جدا من شاطئ البحر. مؤخرا، بدأ يسمع مَن يتجول في المنطقة مزيج من اللغتين: العبريّة والفرنسية. في السنوات الخمس الأخيرة استثمرت الحكومة الإسرائيلية موارد كثير لإقناع الجالية اليهودية في فرنسا إلى مغادرتها، رغم كونها موطنها، والوصول إلى إسرائيل. اشترت هذه المجموعة السكانية، التي وضعها الاقتصادي أفضل من وضع السكان المحليين، بشكل ملحوظ، شققا كثيرة وفي تل أبيب تحديدًا، المدينة الاقتصادية الكبرى والأقوى اليوم في إسرائيل.
صحيح أن المستثمِرين الأجانب قد ساهموا في الاقتصاد عندما استثمروا في إقامة مصانع جديدة أو في مجالات إنتاج أخرى، ولكن أدوا إلى ضرر كبير عندما تنافسوا بظروف غير متساوية مع سكان البلاد على العقارات المحلية.
من المعروف أن حملات البيع معدّة لهم فقط: بيع شقق مع منح قروض سكنية محلية، وخلافا لسكان البلاد قد لا يتم دفعها ولن يطرأ ضرر على صاحب القرض عند حدوث ذلك، سوى خسارة العقار طبعا. لا يتمتع أصحاب الدين الإسرائيليين بهذا الحق.
وثمة مُعطى آخر مثير للقلق: تشير التقديرات إلى أن المستثمرين الكثيرين من فرنسا أو الولايات المتحدة الأمريكية قد تركوا نحو 150 ألف شقة فارغة. قرر مستثمرون كثيرون شراء شقة واستغلالها لفترات قصيرة أثناء زيارتهم إلى البلاد، في حين يقضون معظم أيام السنة في بلادهم. وقد فشل وزير المالية، كحلون في تحقيق وعوده لفرض ضرائب على الشقق الفارغة لأصحاب الأموال الأجانب بنسبة %3 من سعر الشقة كل سنة. لو نفذ وعوده، كان على كل مستثمر أجنبي، ليس مواطنا إسرائيليا، أن يختار بين ثلاثة خيارات: الأول – تأجير الشقة للسكان المحليين، الثاني – بيعها، والخيار الثالث – زيادة خزينة الدولة من خلال دفع الضرائب.
احتجاج الشبّان عام 2011
بعد احتجاج السكن الذي انفجر عام 2011، عندما لم يكن كل المهتمين بالأمر قادرين على تجاهل الظاهرة، بدأت محادثات بين وزيري المالية والإسكان للتوصل إلى حل. تطرقت المحادثات تحديدا إلى مشكلة العرض المُخادعة كما ورد آنفا.
بين عامَي 2011-2016، تولت في إسرائيل ثلاث حكومات. كان جميعها برئاسة رئيس الحكومة الحاليّ، بنيامين نتنياهو. اتخذت هذه الحكومات آلاف القرارات الاقتصادية وغيرها. ولكنها لم تتخذ قرارا واحدا: لم تُقرر خفض أسعار العقارات. هذه الظاهرة ليست خاصة بحكومة إسرائيل. فهي ظاهرة عالمية للمنظومة السياسية التي تخشى العمل أمام رؤساء المنظومات المالية.
هل يمكن حل ضائقة السكن في إسرائيل؟
الإجابة إيجابية. يعرف الكثير من الشبان أن هناك الكثير من الحلول في هذا المجال وأن ارتفاع أسعار الشقق ليس أمرا محتما بل هو منوط بقرارات مالية وسياسية.
الأخبار السيئة هي أن ليست هناك معادلة سحرية لخفض أسعار السّكن في إسرائيل. ليست هناك برامج لعدم دفع ضرائب على الأراضي ولا توزيع الأراضي مجانا. القوى العاملة في السوق هي التي تحدد أسعار السكن.
مع ازدهار الاقتصاد في إسرائيل سيزداد الطلب على العقارات، ولكن لن يكون المواطِن المتوسط قادرا على شراء شقة سكنية في وسط الدولة في المدن مثل تل أبيب.
يمكن توفير شقق بسعر مقبول في الضواحي، في المناطق غير المكتظة بالسكان، وحيث إن جزءا من الأراضي ما زال أرضا زراعية. لا يكمن الحل للأسعار المرتفعة للوحدات السكنية، صعبة المنال لمعظم مواطني الدولة، في بناء وحدات سكنية في مركز إسرائيل، بل في تحريف الطلب على الشقق نحو المدن في الضواحي وربط مدن الضواحي بمدن المركز.
ثمة حل محتمل وهو بناء “مجموعات شرائية”. المجموعات العقارية الشرائية هي مجموعة أشخاص يتوحدون معا لبناء مبنى سكني، لخفض تكاليف أسعار الشقق بعشرات النسب من أسعارها في السوق.
الرقم “القياسي” في إسرائيل لشراء شقة متوسطة هو نحو 140 أجرا متوسطا. وهو حلم بعيد لدى معظم الجمهور الإسرائيلي. يتيح مزيج يتضمن حصصا حكومية للسكن العام (للفئة السكانية المُستضعفة في إسرائيل)، وسكن يمكن شراؤه (شقق بأسعار مخفضة للشبان الذين يعملون ويستطيعون شراء شقق أصغر)، تقليل أسعار الشقق في إسرائيل تدريجيا والسيطرة على أسعار الشقق الجنونية.