1973، هضبة الجولان. أحد أيام حرب تشرين عام 1973، 14:00 ظهرًا. بدأ الجيش السوري بقصف مخيّمات الجيش الإسرائيلي، الطرقات والمدن. في الساعة 17:00، قدّرت قيادة المنطقة الشمالية بأنّ الكتائب الثلاث المنتشرة على طول القطاع الشمالي في الهضبة – الكتيبة 13 التابعة للواء جولاني، الكتيبة 50 (ناحال) وكتيبة المدرّعات للواء 188 – لن تستطيع إيقاف محاولة الاختراق من قبل الجيش السوري في قطاعهم، وأمروهم بالتخلّي عن مراكزهم. استجابت كتيبة ناحال وكتيبة المدرّعات للأوامر وتراجعت، ولكن قائد كتيبة 13، قرّر عدم التراجع من المواقع والقتال، رغم النقص العددي. بعد ذلك بشهرين، حظي قائد الكتيبة 13 للواء جولاني بتكريم لجنة أغرانات، التي حقّقت في أحداث حرب تشرين عام 1973. تلقى ثلاثة جنود آخرين من لواء جولاني تكريمًا أيضًا.
هناك صورة معقّدة للواء جولاني في الجيش. من جهة، هو معروف بصفته لواء وغالبًا ما يقع في مشاكل انضباط ومشاكل تأديبية، بدءًا بتمرّد الرماة وصولا إلى حالات ممارسة العنف ضدّ الفلسطينيين. وعلى العكس، في كلّ مرة يقف الجيش الإسرائيلي أمام مهمّة منوطة بالعزم، العناد والروح القتالية، يميل الضبّاط الكبار إلى تضمين جولاني في الوحدات الأولى. اعتاد أحد قادة الألوية سابقًا في جولاني، على مقارنة اللواء بالكلب روتويللر، حيث يفضّل في الأيام العادية أن يكون مربوطًا بالسلسلة، ولكن في المعركة يفضل أن يكون إلى جانبك.
إذن، من هو اللواء الذي كسر مؤخرًا فقط الرقم القياسي للتجنيد؟ اللواء الذي يراه الكثيرون جيش الشعب الحقيقي؟
جولاني هو اللواء الذي شارك في جميع حروب إسرائيل وفي معظم الحملات الواسعة في جميع المناطق. يوجد لدى اللواء تقاليد كبيرة. “في الشيفرة الوراثية للواء، يتم تنفيذ مهمّة بغضّ النظر عمّا يحدث فعليّا في الواقع. سنفعل كلّ شيء من أجل وضع الراية على الجبل”، هكذا يوضّح ضابط كبير في جولاني، “جميعنا متساوون. ليس من المهمّ من أيّ نقطة بدأنا. جميعنا بشر، هناك شيء إنسانيّ جدًا في الأسلوب وفي الأجواء”.
أقيم لواء جولاني قبل عدّة أشهر من إعلان استقلال دولة إسرائيل (شباط 1948) وشارك في معارك كثيرة: بداية من حرب عام 1948، ضدّ جيوش الأردن، سوريا، لبنان بل والعراق، وأيضًا في حرب عام 1967، حرب تشرين 1973، حرب لبنان الأولى والثانية وحتى خلال الانتفاضتَيْن الفلسطينيّتَين. من بين العمليات المشهورة للوحدة يمكن أن نجد “عملية نوكييف” (1962)، وهي غارة على مواقع سورية في الضفة الشرقية لبحيرة طبريا في أعقاب قصف السوريين للصيّادين والبلدات الإسرائيلية، احتلال جبل الشيخ (1967) وأخذه من يد الجيش السوري، السيطرة على المقاطعة في رام الله وساهم بجهوده في القضاء على ظاهرة الإرهاب التي انتشرت في المدن الرئيسية في إسرائيل خلال سنوات التسعينات.
جولاني يعني إسرائيلي
دخل رئيس الأركان، الجنرال بيني غنتس، قبل عامين، مع تولّيه المنصب، إلى سلسلة التجنيد في القاعدة العسكرية للتجنيد التابعة للواء، والتقى مع المجنّدين الجدد في لواء جولاني وسألهم لماذا اختاروا هذا اللواء؟ قال أحدهم إن شقيقه لم يترك له خيارًا آخر، تحدّث الثاني عن أحد أفراد أسرته الذي أوصاه بذلك، وقال الثالث أنه انضم للواء بدعم من والده. “إن أعطيتكم إمكانية الانتقال للمظليّين من منكم سينتقل؟” هكذا سأل قائد الأركان الجنودَ الجدد ولم يرفع أحد منهم يده. “أنتم تقومون بخطوة ذكيّة. لم يكن هناك حرب لم يكن جولاني فيها. دومًا شارك بحروب عنيفة ودومًا أنجز مهامّه مهما كان الأمر صعبًا. ولذلك، فإنّ اختياركم للخدمة في لواء جولاني هو اختيار جيّد. سيكون صعبًا عليكم، جسديّا، وأحيانا نفسيًّا. وأحيانا ستكون هناك أزمة توقّعات. وأحيانا سيكون الأمر محبطًا، ولكن في نهاية الأمر بالمنظور على الأمد البعيد، فإنّ المسار قد أعدّ من أجل تأهيلكم لمواجهة أيّ مهمّة”.
اللواء رقم 1 في الجيش الإسرائيلي، كسر عام 2011 بيانات التجنيد. في دورة التجنيد تلك، من بين جميع المرشّحين للخدمة الأمنية الذين طلبوا التجنّد في ألوية فرق المشاة، 42.9% منهم طلبوا الخدمة في جولاني. بيانات الطلب على اللواء هي الحلم الجميل لكل قائد لواء في الجيش الإسرائيلي، وحتى الآن لا يوجد تفسير للمعادلة التي جعلته مرغوبًا به إلى هذه الدرجة.
في جولاني هناك 5 كتائب: كتيبة باراك (12)، كتيبة معروفة باحتلالها لتل فاخر في حرب عام 1967، وكذلك اشتركت الكتيبة في المعارك الأقسى في حرب تشرين عام 1973 وخسرت الكثير من جنودها. كتيبة جدعون (13)، كتيبة المتسلّلين (51)، كتيبة الجوز (سوف نتوسّع بالحديث عنها في مقال قادم) وكتيبة الاستطلاع التابعة لجولاني.
يرتدي جنود اللواء قبّعة بنّية مع رمز جندي مشاة ويرتدون أحذية سوداء. يرمز اللون البنّي إلى المقاتلين الأوائل للواء والذين كانوا مزارعين حين تمّ تجنيدهم. علم اللواء مكوّن من الألوان الأخضر والأصفر والذي يرمز إلى أراضي المعركة، في الشمال والجنوب. رمز اللواء الذي وجد على شعار الوحدة هو شجرة زيتون لها جذور عميقة جدًا.
الروح القتالية
ليس سرًّا أن إحدى الوصمات للواء جولاني هي أنّه اللواء الأكثر وحشية في الجيش الإسرائيلي، حيث يميل مقاتلوه إلى التمرّد على المواثيق (والقادة)، وألسنتهم ليست مقيّدة. وينظر كبار الضباط في اللواء إلى النتائج الاجتماعية التي تطرحها وسائل الإعلام بشكل مختلف، حيث يصرّون على أنّ هذه الوصمة بعيدة عن الواقع. إنّ عقيدة الانضباط الجديدة للقائد الجديد للواء تشمل بعض التجديدات: الضابط أو غيره الذين يقفون بانتظام عند مدخل قادة اللواء العسكرية، ويفصحون الترتيب والمظهر؛ ينظّمون لجميع الكتائب كل يوم جمعة، بما في ذلك التدريبات المنتظمة، والتشديد في العقوبة. وتكون النتائج فورية: في المنتصف الأول لعام 2013، كان هناك 150 شكوى من الشرطة العسكرية أقل من العام الماضي، ونسبة صفر لسرقات الأسلحة.
وإذا لم يكن ذلك كافيًا، ففي لواء جولاني يقومون بالرحلة الأطول في الجيش الإسرائيلي والتي طولها 75 كيلومترًا. حين سألوا بعض القادة في اللواء لماذا يحتاجون للمشي لمسافة طويلة إلى هذه الدرجة مع العتاد على الظهر، أوضح لهم قائد اللواء السبب قائلا: من أجل أن يعلم كل جندي أنّه بعد 70 كيلومترًا أيضًا يكون باستطاعته المشي للأمام؛ “حتى لو كان صعبًا، فسيكسر العتاد ظهرك وكلّك مبلّل، فتفهم بأنّه هكذا يتمّ بناء العقل الروح”. كل شخص لا ينجح باجتياز المسار الشاق في لواء جولاني فلن يتحوّل إلى محارب. سيقوم بذلك مرّة بعد مرّة حتى ينجح.
لواء من النمور
اعتبر لواء جولاني بسبب مهمّته ومهنيّته العالية لواء “النمر” للجيش الإسرائيلي. تم تسليم النمر – وهو ناقلة جنود مدرّعة من الأكثر تقدّمًا في العالم – حتى الآن إلى لواء جولاني فقط، وهو ما يميّزه عن باقي الألوية. يسمح “النمر” لقادة جولاني بتحقيق قوة جديدة للمقاتلين بالصورة الأكثر حماية والأفضل على الإطلاق لأرض القرار.
من سيفوز في الحرب القادمة؟
تغيّرت ملامح ساحة المعركة. في الماضي كان للعدوّ مراكز ثقل، وتطلّب الأمر تدمير سلاح الجوّ لديه، الرادارات وبطاريات الصواريخ. ولكنّ العدوّ قد درس البيئة، واليوم لا يوجد لديه مركز ثقل. إنّه يطلق عشرات الآلاف من القذائف صوب إسرائيل، والتي تنتشر في كلّ مكان. “يفهم حزب الله جيّدًا أنّه لا يمكنه الانتصار على الجيش الإسرائيلي”، يوضح ضابط كبير في جولاني، “ولكن تكتيكاته تقول إنّه لا يخسر لأنّه يستطيع دومًا إطلاق الصواريخ نحو إسرائيل. علينا ألّا ننجرّ إلى هذا الوضع. ندرّب جنودنا على التعامل مع متغيّرات البيئة القتالية، هذا هو سرّ الحرب القادمة، وفي جولاني مستعدّون لها”.