لا شك أبدًا أن صائب عريقات هو إحدى الشخصيات الأبرز في الساحة الفلسطينية. ويُعتبر هذا الرجل ومنذ سنوات من أهم المُتحدثين بمسألة القضية الفلسطينية، وكان مسؤولا عن المفاوضات مع إسرائيل وأيضًا كان حلقة الوصل، في أحيان كثيرة، بين السلطة الفلسطينية، الولايات المُتحدة، وأوروبا.
ومن الصعب أن نجد مسؤولاً إسرائيليًّا كبيرًا لا يعرف عريقات، أو مسؤولا أوروبيًّا لم يتناول وجبة الفطور معه في موفنبيك، أو مسؤولا أمريكيًّا لم يتفاوض معه، أو صحفيًّا في هذا المجال لم يدون في هاتفه رقم هاتف عريقات ضمن قائمة جهات الاتصال الهامة الخاصة به. لذا، فقد أدى خبر العثور على جاسوس في مكتب عريقات إلى صدمة الصحفيين. قام ذلك الموظف، وفقًا للمعلومات المنشورة، بنقل معلومات سرية إلى إسرائيل طوال مُدة أكثر من عشرين عاما. إلا أن الصدمة جاءت بسبب حقيقة أن التحقيق بهذا الموضوع قد سُرب لوسائل الإعلام ولم يتم التعامل معه بسرية كما هي العادة في هذه القضايا.
وتُشير التقديرات الأولية للمُحللين السياسيين أن ذلك الحدث ما هو إلا جزءًا من الحرب العالمية الدائرة، خلف الكواليس، بين المُهتمين بأن يخلفوا أبو مازن عندما يحين أجله. والهدف من ذلك الأمر، وفقًا لهذه التحليلات، هو إحراج عريقات وإظهاره كأنه “مُتعاون” مع إسرائيل. ويبدو أن أبو مازن تبنى سياسة “فرّق تسُد” التي انتهجها عرفات وها هو يترك قادة فتح يتصارعون فيما بينهم وبهذا يضمن مكانته.
إلا أن مصادر تتابع هذه القضية تقترح تحليلاً آخر. يعكس اعتقال “الجاسوس، وفقًا لتلك المصادر، إحباطًا شديدًا في القيادة الفلسطينية من الاستراتيجية المُتبعة لمُقارعة إسرائيل في الساحة الدولية. يسمع الفلسطينيون بين الحين والآخر وعودًا من الأوروبيين الذين يلتقونهم، ولكن تلك الوعود، مرة تلو الأخرى، لا تُترجم إلى واقع فعلي ضد إسرائيل، مثال العقوبات ضد المستوطنات.
والإحباط شديد أيضًا كون الحديث يجري عن القرار الاستراتيجي الأبرز الذي اتخذه أبو مازن: نقل الصراع ضد إسرائيل من ميدان الصراع إلى الساحة الدبلوماسية، بعد أن لم تتمكن عشرات السنين من الصراع المُسلح من تقريب الفلسطينيين أبدًا نحو إقامة دولتهم. يجد الفلسطينيون، وفقًا لتلك المصادر، صعوبة في مواجهة إسرائيل في المحافل الدبلوماسية والقضائية، التي لا يتمتعون بسيطرة كافية عليها. وكذلك، باتت القضية الفلسطينية الآن في أسفل سُلّم أولويات العالم العربي حاليًا، الذي يحتاج إلى إسرائيل أكثر من أي وقت مضى، في صراعه ضد توسع إيران.
وقد كان موظف صغير في دائرة المُفاوضات ضحية هذا الشعور بالإحباط. لأن هناك حاجة لإيجاد شخص لاتهامه وكعادة الفلسطينيين، لا مجال أبدًا أن تُوجه أصابع الاتهام نحو الجهات العُليا.