كما في كل أربع سنوات، يعود المونديال إلينا مجددًا! سنشاهد في الشهر القريب ما لا يُحصى من اللقاءات المثيرة للفضول بين منتخبات من جميع أنحاء العالم، وسنحظى برؤية أفضل اللاعبين على المنصة الأكبر، وسنتعرّض لثقافات مختلفة ولمشجّعي المنتخبات الذين سافروا للبرازيل كي يدعموا نجومهم. هنا في إسرائيل، سنتعامل بجسارة مع ساعات من البثّ المتأخر نسبيًّا (19:00، 22:00 و 01:00 مساءً). وبالتأكيد، فحتى يُحدث منتخبنا ضجة كبيرة ويعود إلى البطولة المحترمة، يختار كل واحد لنفسه – أو يختارون من أجله، فيما لو كانت هناك خلفية للاختيار – منتخبًا مفضّلا.
يتمّ تعليق أعلام الدول الممثلة للمنتخبات خارج المنازل، وتُعقد وجبات الطعام واللقاءات، وفقًا لساعات الألعاب وحين يتم سماع صافرة الافتتاح، يصبح الجميع في المنزل منتبهًا وقلقًا، أو على الأقل، يجلسون أمام التلفاز، يأكلون بذور عبّاد الشمس ويقضمون الأظافر بتشوّق وترقّب. وبالطبع، فإنّ عرب إسرائيل أيضًا يشاركون في الاحتفال، إنْ لم يكونوا يقودونه ويتجاوزون الآخرين. ليس سرّا أن نقول بأنّ كرة القدم شعبية بشكل خاصّ عند شباب (وكبار السنّ) مواطني إسرائيل العرب، وإذا كان التشجيع في الأيام العادية متوزّعًا بين برشلونة وريال مدريد، وتحظى ميلان ويوفنتوس بالقليل من التشجيع؛ ففي كأس العالم هناك تقسيم أكثر توازنًا بقليل.
المنتخَب الأكثر شعبية هو البرازيل. “أمر واضح وبسيط، وأنا أراهن أنّ معظم العرب في إسرائيل سيشجّعون لاعبي سكولاري”، هكذا يقرّر حسن، وهو بائع متجوّل في المدينة القديمة في القدس. إنّه يُظهر إلمامًا كبيرًا بتشكيلات اللاعبين ومقتنع أنّ نجم برشلونة، نيمار، سيقود الفريق المستضيف إلى الفوز السادس (!) في أرقام كأس العالم (إيطاليا هي الثانية في الترتيب، مع أربع انتصارات). “هم أيضا منتخب قوي ومتوازن وسيحظون بالتأييد من جمهورهم الجنونيّ”، هكذا يشرح الرهان.
في الواقع، تتمتّع البرازيل بتأييد ساحق عند الباعة في السوق وأيضًا عند أفضل اللاعبين، ومن بينهم لاعب الوسط الأسطوري، رفعت (جيمي) ترك، الذي قال مؤخرًا بأنّه يشجّع “سلساو” من أمريكا الجنوبية. ورغم ذلك وبخلاف حسن، فهو لا يعتقد أنّهم سيفوزون ويراهن في النهائي على لقاء بين ألمانيا وإسبانيا. هذان الفريقان، بالمناسبة، رغم انتصاراتهما المذهلة وكرة القدم الجذّابة التي يقدّمانها في السنوات الأخيرة؛ لا يحظيان بتأييد عند الأشخاص الذين قابلتهم، ومعظمهم في سنوات العشرين والثلاثين من عمرهم. يضيف حسن ويقول إنّه رأى كيف كان أسلوب المنتخب البرازيلي في مونديال عام 98 ورغم أنّ الفريق قد خسر في النهائي مع فرنسا، فقد تم استيعاب هذه اللحظات بعمق في ذاكرته وما زالت ترافقه حتى اليوم.
بالنسبة لسمير عبد الحيّ أيضًا، وهو لاعب كرة قدم، رفع مؤخرًا فريق هبوعيل كفار سابا إلى الدوري الوطني الإسرائيلي، فإنّ نفس النهائي بين البرازيل وفرنسا هو من ذكريات كرة القدم الأولى. “أكثر شيء أذكره هو إصابة رونالدو”، يحكي سمير، من أكثر اللاعبين الذين رأيتهم عزمًا وواحد ممن شاهدوا إصابة أو اثنتين عن قرب. رغم ذلك، فهو نفسه يشجّع تحديدًا الأرجنتين، التي هي أيضًا سجّلت بطولة جيّدة في 98، ويتمنّى أن تنجح في البطولة القريبة، والتي وُضعت فيها في مجموعة سهلة نسبيًّا، مع البوسنة، نيجيريا وإيران. وهو يأسف أنّ موهبة ميسي، أغويرو وهيتر لن تكفي أمام ماكينة إسبانيا المزيّتة. وحين أسأله من يشجّع أصدقاؤه، فهو يجيب بشكل مفاجئ: “الأرجنتين، إيطاليا والبرتغال”.
في حين أنّ تشجيع البرتغال هو، كما يبدو، نتيجة للتبجيل الذي يحظى به كرستيانو رونالدو (لا يجب الخلط مع رونالدو البرازيلي المهاجم الأسطوري المتقاعد والذي ذكرناه في الفقرة أعلاه…)؛ فإنّ تشجيع إيطاليا أكثر تجذّرًا بكثير. عام 1982، فازت إيطاليا بكأس العالم الذي أجري في إسبانيا، وأنتجت جيلا كاملا من الفتيان الذين تثير أسماء مثل باولو روسي ودينو زوف فيهم الحنين. عام 2006، جاء فوز إيطاليا الأخير في البطولة. “كانت بطولة أسطورية. قبل كل مباراة لإيطاليا تجمّع جميع الأصدقاء في منزلي، أعددنا اللحم المشوي وشجّعنا الـ “سكوادرا أزورا””، هكذا يتحدث محمود الشاب بحماسة، والذي التقيت به خلال سفر في القطار بالقدس. وحسب كلامه، فإنّ إيطاليا تحظى بتشجيع مثل البرازيل تقريبًا وإنْ كانت هناك مباراة بين الفريقين؛ فيمكنني أن أرى منازل وقرى كاملة قد تفرّقت بين المعسكرين.
في نهاية اليوم، يمكننا أن نقرر بأنّ تشجيع المنتخبات في المونديال لا ينبع بالضرورة من تراث وتقاليد، كما هو الحال في نوادي كرة القدم المحلية والدولية، وإنما من التوقيت. وفقًا للغالبية، فكأس العالم الأول الذي شاهدته والمنتخب الأول الذي سحرك سيرافقانك إلى الأبد. أو على الأقل حتى يبرز فريق مثير وكاسح، يثير الانتماء والإلهام حتى عند المشجّعين المحايدين. في البطولة السابقة، كانت تلك هي الأوروغواي التي فاجأت العالم وأنهت في المركز الثالث، مع عرض كرة قدم مذهل وقوي وتعاطف شعبي واسع. “من سيكون “الحصان الأسود”؟ بلجيكا”، أجاب حسن (وهذه المرة أصاب رأي ترك، الذي يدّعي أنّ المفاجأة ستأتي من الدولة الأوروبية المزدحمة بالمهاجرين).ومحمد تحديدًا يراهن على خصمها في المجموعة؛ الجزائر: “إنّهم ليسوا حمقى. دفاعهم قويّ وتكتيكاتهم احتفال للأعين”. وعلى من تراهنون أنتم؟