كان داعمو حل الدولتين مرتبكين أمس عند معرفة أن أمريكا تراجعت عن موقفها التي تمسكت به طيلة سنوات. قال ترامب في مؤتمر صحفيّ بعد لقائه الأول مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إنه ليست هناك أفضليّة لحل الدولتَين على حل الدولة الواحدة.
يدفع معارضو حل الدولتَين من كل المستويات الأيدولوجية، هذا القرار قدما، لتعزيز أفكارهم المختلفة. ألا لنا أن نخطئ، فليس اليمين الإسرائيلي فقط مسرور بتصريحات ترامب بشأن التراجع عن حل الدولتَين بصفته الإمكانية الوحيدة للاتفاق. فهناك من يؤمن بين الفلسطينيين أيضًا، وبين اليسار الإسرائيلي، أن حل النزاع الدامي لا يمكن أن يحدث في إطار المخطط التقليدي لحل الدولتين لشعبين. تقترح تلك الجهات والحركات، كما ذُكر آنفًا، جزء منها من اليمين واليسار، اقتراحات أخرى تستبدل الركيزة التقليدية للمفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
إن المبدأ التقليدي لحل الدولتين، الذي كان يُعتبر طيلة سنوات حلا افتراضيا، يعتمد على خطوط وقف إطلاق النار لعام 67. تحدث البرنامج عن تقسيم الأراضي المقدّسة إلى دولة يهودية ودولة عربيّة والفصل بينهما، وإخلاء المستوطنات من كافة أراضي 67، التي ستُقام عليها الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. ولكن لم يخرج البرنامج حيز التنفيذ في نهاية المطاف.
إليكم بعض الأفكار الجديدة التي تحظى باهتمام في ظل تراجع فكرة حل الدولتين:
دولة واحدة، ثنائية القومية – قبل لحظة من اللقاء بين ترامب ونتنياهو، قدّر الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، على ما يبدو، أن ترامب تراجع عن الفكرة الحصرية لحل الدولتين، مستغلا ذلك للتأكيد أنه يدعم ضم أراضي الضفة الغربية إلى إسرائيل، من خلال منح مواطنة تامة لكل الفلسطينيين في هذه الأراضي. “تمنح السيادة على المناطق مواطنة لكل مواطنيها. لن تُمنح تسهيلات. ستكون مساواة للإسرائيليين وغير الإسرائيليين”، شدد ريفلين.
قال وزير الخارجية الإسرائيلي سابقا، موشيه أرنس، عام 2013 إنه يجب هدم جدار الفصل الذي بنته إسرائيل على حدود 67، لأنه “بات من الواضح أن لا فائدة من جدار الفصل في يومنا هذا. فهو يلحق ضررا دوليا بإسرائيل ويصعّب حياة الفلسطينيين يوميا”. وأضاف أرنس أنه ليس هناك سبب للخوف من دولة ذات طابع ثنائي القومية، وأن “إسرائيل باتت منذ الآن وفق حدودها القائمة، دولة ثنائية القومية”.
أضاف الصحفي أوري اليتسور العريق وكتب في تلك السنة، مفاجئا قراءه: “في عالم السياسة اليوم، فإذا لم يكن الأشخاص الذين يقيمون على الأراضي جزءا من دولة إسرائيل، فالأراضي ليست ملكية إسرائيل أيضا، وليس لديها الحق بأن تحكمهم”. وأضاف مقترحا أنه يجب اقتراح مواطنة وحقوق كاملة ومساوية لكل الفلسطينيين الذين يعيشون في المناطق التي ستفرض إسرائيل عليها سيادتها.
من بين داعمي الفكرة: رؤوفين ريفلين، موشيه أرنس، أوري اليتسور، نائبة وزير الخارجية الإسرائيلية، تسيبي حوطوبلي (البيت اليهودي)، الحاخام حنان بورات، رجل تربية وعضو كنيست من مؤسسي المستوطنات الأولى في الضفة الغربية.
دولة يهودية واحدة على كل أراضي إسرائيل – يقترح هذا الحل جزء من اليمنيين الإسرائيليين المعنيين بفرض سيادة يهودية على كل الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل، وتفكيك مؤسّسات الحكومة الفلسطينية من خلال منح مكانة محدودة للفلسطينيين الذي سيصبحون “سكان” دولة إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، هناك من يقترح تقديم محفّزات ماليّة للفلسطينيين الذين يهاجرون.
يعتقد جزء من داعمي الفكرة، مثل وزير التربية الإسرائيلي، نفتالي بينيت، أن لا داعي لتفكيك السلطة الفلسطينية، ويجب إبقاء سيطرتها على منطقتي “أ” و “ب” في الضفة الغربية، وفي المقابل، يجب فرض سيادة إسرائيلية على مناطق “ج” ذات أغلبية يهودية، وأقلية فلسطينية.
من بين مؤيدي الفكرة: وزير التربية، نفتالي بينيت، حزب الاتحاد الوطني، وعضو الكنيست سابقا، موشيه فيجلين (الليكود).
كونفدرالية فلسطينية– إسرائيلية – فكرة تدفع مبادرة “حل الدولتين، ووطن واحد”، منذ أربع سنوات. لا تلغي المبادرة فكرة إقامة دولة فلسطينية سيادية إلى جانب دولة إسرائيل، ولكنها تقترح القيام بهذا من خلال حرية التنقل والسكن التام بين الدولتين، من دون حدود، ودون اجتثاث المستوطنات. بموجبها تتابع أقلية يهودية العيش في مناطق الدولة الفلسطينية كسكان دائمين، وسيكونون أصحاب مواطنة إسرائيلية. في المقابل، يستطيع الفلسطينيون العيش كسكان دائمين، وكمواطنين فلسطينيين. وفق مبدأ الكونفدرالية، الذي تمت بلورته في النقاشات بين المواطنين الإسرائيليين والفلسطينيين ذوي خلفيات متنوعة، ستُقام مؤسّسات عليا مشتركة للإسرائيليين والفلسطينيين، وتشكل عملية السلام هذه أساسا لمعاهدة سلام مع بقية دول الشرق الأوسط. تتطرق هذه الفكرة إلى قضية اللاجئين الفلسطينيين. وفق هذه الفكرة، يحصل اللاجئون الفلسطينيون الذين يختارون العودة، على مواطنة فلسطينية ويمكن أن يعيشوا كمواطنين دائمين في أراضي دولة إسرائيل.
من بين داعمي الفكرة: ثابت أبو رأس (مدير مساعد في “مبادرات صندوق إبراهيم”)، عوني المشني (ناشط فتح وأسير محرر من السجون الإسرائيلية)، الصحفي الإسرائيلي، ميرون رببورت، والأديب المستوطن، إليعزر كوهين.
ولكن إلى جانب الاقتراحات الجديدة لإنهاء النزاع الذي يحظى بأهمية، يُظهر استطلاع أجراه مركز تامي شتاينمتس لأبحاث السلام في جامعة تل أبيب والمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام الله (PSR) في المجتمَعين الفلسطيني والإسرائيلي، أن الشعبَين ما زالا متفائلين تماما من حل الدولتَين، حتى وإن انخفضت نسب داعميه مقارنة بالعام الماضي.
في استطلاع نُشر يوم الخميس (16.2)، قال 55% من الإسرائيليين و 44% من الفلسطينيين إنهم ما زالوا يدعمون حل الدولتَين، مقارنة بالاقتراحات البديلة. يدعم فكرة الفدرالية 28% من الإسرائيليين ويدعم فكرة حل الدولة الواحدة 24% من الإسرائيليين. حظيت هاتان الفكرتان بدعم أكثر من ثلث الفلسطينيين بقليل. أجرى مركز تامي شتاينمتس لأبحاث السلام في جامعة تل أبيب، والمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام الله الاستطلاع.
في ظل هذه المعطيات، ورغم الحلول البديلة التي تغمر وسائل الإعلام، ربما من السابقة لأوانه رثاء حل الدولتَين.