في 9 حزيران عام 2014، قبيل المساء، سقطت الموصل. أثناء كتابة هذه السطور يسيطر جيش “الدولة الإسلامية في العراق والشام” على المدينة الأكبر في شمال العراق. سيطر مقاتلو التنظيم على مكاتب الحكومة في محافظة نينوى العراقية، طردوا رجال الجيش والحكومة من المدينة، ويسيطرون عليها الآن. حتى يتمّ نشر هذا المقال فمن الممكن أن ينجح الجيش العراقي في طردهم، ولكن بموجب كل المقاييس فإنّ هذا الحدث هو نقطة تحوّل مهمّة في تاريخ المنطقة.
يعرف التنظيم الإسلامي المتطرّف عادة بحروف الاختصار: داعش (الدولة الإسلامية في العراق والشام). كانت بداية التنظيم في المعركة الخاصة لرجل القاعدة الضالّ أبو مصعب الزرقاوي ضدّ الشيعة في العراق في أعقاب الغزو الأمريكي. ومنذ ذلك الحين، مرّ التنظيم بتقلّبات كثيرة، ويتزعّمه اليوم قائد متشدّد يُدعى أبو بكر البغدادي. مع بداية الثورة ضدّ الأسد في سوريا، انضمّ التنظيم إلى قوى المعارضة، وخلال الثورة تصارع مع الممثّل الثاني للقاعدة في سوريا، جبهة النصرة. قرّرت قيادة القاعدة في أعقاب الصراع وقف رعاية داعش، ومنذ ذلك الحين فهو يعمل كتنظيم مستقلّ، حيث أنّ أيديولوجيّته هي: جهادية، تكفيرية وتكره الشيعة، وهي متطرّفة حتّى أكثر من أيديولوجيّة بن لادن. ينفّذ أعضاء التنظيم بشكل متكرّر عمليات إعدام علنية للكفار والخونة، ومنذ مدّة ليست طويلة قاموا بصلب مشتبه بهم بالخيانة.
تمركز التنظيم في الأشهر الأخيرة بشكل كبير بين حلب في شمال غرب سوريا وبين بغداد في جنوب شرق العراق، أو، بكلمات أخرى؛ تقريبًا في جميع المنطقة العربية بين نهري دجلة والفرات. ويسيطر التنظيم بشكل تامّ أيضًا على مناطق الفلوجة وبعقوبة في العراق، وهكذا أيضًا أجزاء كبيرة في المنطقة الشرقية من سوريا، دير الزور والرقّة. وقد جاءت مهاجمة الموصل في أعقاب عدد من الانتصارات سواء في المنطقة الكردية في شمال سوريا، أو في المدن على طول نهر دجلة في العراق. نجح مقاتلو التنظيم في هذه الفترة بوضع يدهم على مخازن السلاح، الوسائل القتالية والذخائر الحكومية، وإلى جانبها أيضًا موارد مالية وبنكية ومكاتب حكومية.
يعتبر نموّ داعش نموذجًا إضافيًّا لقصر نظر الحكومات في جميع ما يتعلّق بدعم التنظيمات المتطرّفة. في بداية العمل ضدّ الأسد تم دعم التنظيم من قبل جزء كبير من الأنظمة العربية السنّية في شبه الجزيرة العربية، وأيضًا – كما تشير الأدلّة – من قبل الحكومة التركية نفسها، بواسطة تنظيمات وسيطة مختلفة. هذه المرّة أيضًا، نجحت الحكومات في تربية التنّين في الدرج وأن تكتشف – بعد فوات الأوان – أنّه ينفث النار عليها أيضًا.
ولأنّ التحدّيات التي يضعها التنظيم أمام النظام السوري والحكومة العراقية معروفة؛ فإنّ الصراعات الأكثر إثارة للاهتمام هي الدائرة بين التنظيم وتركيا والأكراد. فقد نفّذ أعضاء التنظيم في الأشهر الأخيرة عدّة هجمات ضدّ أهداف على الحدود التركية، ضربوا دوريات الحدود بل ورجال الشرطة، ولكن هُزموا في هجمة عسكرية قصيرة. من المحتمل أن تكون هذه هي إحدى القضايا الرئيسية في النقاش بين أردوغان والرئيس الإيراني روحاني في لقائهما هذا الأسبوع. اضطر أردوغان إلى الاعتراف الآن – مع الأسف الكبير – بأنّه خائف من الدولة المتطرّفة التي تنمو على حدوده، ومتفاجئ من المصالح المشتركة التي يجدها مع روحاني. هناك من يعتقد في أروقة الحكومة في أنقرة بأنّه من المفضّل إزالة معارضة استمرار حكم الأسد، والتنازل عن أحلام الديمقراطية المحافظة بالصغية التركية. فالبديل الجهادي قد يكون أكثر سوءًا.
والقصة الكردية هي كذلك مثيرة للفضول. قبل عدّة شهور، ضربت داعش بلدة كردية في سوريا، وفي بداية الأسبوع فجّر انتحاريّون من أعضاء التنظيم أنفسهم في مقارّ لأحزاب كردية في مدينة توز خورماتو. والهجمة على الموصل أيضًا، التي يرى فيها الأكراد إحدى عواصم إقليمهم، هي تحدّ واضح لمنطقة الحكم الذاتي الكردي. ومع تعزيز الثقة بالنفس لدى قادة داعش فسيتطلعون إلى المناطق الكردية أيضًا، التي تتّخذ موقفًا أكثر ليبرالية من الدين، هدفًا للغزو والسيطرة.
ولكن من المرجّح هذه المرّة أن يجد مقاتلو داعش أنفسهم في معركة أكثر صعوبة. لقد راكَمَ الأكراد في الصراعات الطويلة في سوريا، تركيا والعراق سنوات طويلة من التجربة في حرب العصابات والصراعات الجبلية. حتى الآن تتجنّب الحكومة الكردية تفاقُم الصراع، وتأمل بأن تحوّل الحرب في سوريا مركز صراع التنظيم باتجاه دمشق. ولكن الآن، حين اتّضحت الاستراتيجية الجديدة للتنظيم، فنحن نتوقّع أن نرى صراعًا أكثر تصميمًا من قبل الأكراد، وأيضًا من قبل الحكومة العراقية، مع التنظيم المهدّد.
نُشرت المقالة للمرة الأولى في موقع Can Think