من وجهة نظر بيئية وجغرافية، فإنّ جذور المشاكل في سوريا تكمن في أزمة المياه. لذلك، كما يقرّر الخبراء، فإنّ كل محاولة لحلّ الأزمة في سوريا يجب أن تبدأ بإقامة مصانع لتحلية المياه والاستجابة لهذه المشكلة البيئية قبل إدخال الدبابات والجيوش لسحق داعش، التنظيمات الإرهابية أو إسقاط نظام الأسد.
إن ظاهرة تيار اللاجئين السوريين التي تجتاح أوروبا تنبع، بحسب محلّلين، من صراعات دينية، اجتماعية وطائفية – ولكن في الواقع فإنّ جذورها تكمن في نقص المياه، المؤدي إلى الهجرة المزارعين الفقراء الجماعية إلى المدن. أدّت هذه الهجرة إلى ضغوط ديمغرافية واقتصادية على المدن، وزاد النظام، الذي أهمل حل المشكلة منذ البداية، من حدة الوضع عندما ردّ بوحشية على الاحتجاجات الجماعية التي اندلعت في مدينة درعا. دمّرت موجات الاحتجاجات الدموية الصادمة سوريا من الداخل ووصلت إلى أوروبا وما وراءها.
الحقيقة هي أن الشرق الأوسط يموت عطشا. “إنّ تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام يهدّد بغداد بواسطة نهر الفرات”. كان هذا قبل عدة أشهر هو العنوان الرئيسي لصحيفة “الشرق الأوسط” التي فضلت تقديم قصة المياه التي تزعج جدّا الحكومة الشيعية في بغداد على مختلف القصص السياسية الأخرى التي تشغل الدول العربيّة في الآونة الأخيرة.
وهذا هو فقط جزء صغير من المشاكل المرتقب أن تطرق باب العديد من الدول في الشرق الأوسط. نشر خبراء في الشؤون المناخية مقالا في مجلة Nature Climate Change قالوا فيه إنّه في وقت قريب نسبيًّا قد يتحوّل الشرق الأوسط إلى منطقة غير مناسبة لحياة البشر، وذلك لارتفاع درجات الحرارة عن المعدّلات السنوية. أشارت الحسابات إلى أنّ مدنا كبيرة في المنطقة قد تصبح مدن غير مأهولة: الدوحة، دبي وأبو ظبي. في بعض المدن، مثل الكويت، سترتفع درجات الحرارة في الصيف فوق 60 درجة مئوية.
لا شكّ أنّه من المتوقع أن تحدث تغييرات مناخية كبيرة في القرن الواحد والعشرين في جميع أنحاء العالم عموما وفي حوض البحر المتوسّط وإسرائيل على وجه الخُصوص. لا يشكّك العلماء في حقيقة التغييرات المناخية، ولكن هناك خلاف حول قوة هذه التغييرات وتأثيرها بل وأسبابها.
بات العديد من المناطق في الشرق الأوسط متضررا من قوى الطبيعة حتى لو أن الحديث لا يجري عن فيضانات أو ضربات حرّ شديدة. أحد الأمثلة المثيرة للاهتمام وربما الخطيرة تمت الإشارة إليه من جنوب العراق. بسبب احترار وجفاف نهرَي دجلة والفرات تغزو الثعابين السامة المنازل وفي العديد من المرات تلدغ السكان. يبدو أن الثعابين تبحث عن مكان أكثر برودة من جحورها الحارّة جدّا.
كتب خبراء المناخ الإسرائيليين العديد من الدراسات حول تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري، ذوبان الجبال الجليدية في القارة القطبية الجنوبية وتأثير عوامل التلوث على السكان في الشرق الأوسط. أحد الادعاءات المركزية هو أنّه في المستقبل القريب، ومع سائر الأسباب المتعلقة بـ “قدرة المنطقة الاستيعابية”، (والتي أحد أهم مكوناتها هو زيادة السكان الطبيعية المرتفعة)، ستؤدي التغييرات المناخية إلى صراعات على الموارد الطبيعية: المياه، الأرض، الغذاء ومصادر الطاقة. وعلى خلفية هذه الأزمة من المتوقع أن تحدث في الشرق الأوسط وفي العالم كله أزمات اقتصادية ستتمثّل بعدم الاستقرار السياسي، زيادة موجات الهجرة، الصراعات المسلّحة داخل الدول وبينها، بل وتفكك وإقامة كيانات جديدة. وإننا نشهد حقا أدلة على ذلك في سوريا والعراق.
إن طبيعة المنطقة الديموغرافية والفخ الاقتصادي الذي تجد نفسها فيه معظم الدول فيه لا تترك الكثير من الخيارات. إنّ الإحصاءات البسيطة ترسم منطقة يصعب العيش فيها ونقصا شديدا في الموارد الأساسية. وعلى هذه الخلفية، فقد تعمل التغييرات المناخية على تسريع التطورات، ولا يهم أية تطورات. كل حركة تُخرج هذه الدول من التوازن الهشّ في الأساس، ستؤدي إلى انهيار البنية الاقتصادية والجيوسياسية الهشّة للمنطقة. لا حاجة أن تكون مؤرخا أو خبيرا في التغييرات المناخية حتى تتنبأ بالمشكلة البيئية، الاقتصادية، الاجتماعية والجيوسياسية المتوقعة في الشرق الأوسط. ستزداد هذه المشاكل سوءًا فقط، وخصوصا في البلدان القاحلة، التي يتزايد عدد سكانها باطّراد، ويتم استنزاف مصادر المياه فيها أو أنها لا تقع تحت سيطرتها.
في الواقع، فإنّ الشرق الأوسط بأسره يسير على حبل دقيق، ومن شأن ضربة خفيفة مثل تغيّر المناخ أن تسقطه وتقضي عليه.
إسرائيل والأزمة
من المتوقع أن تؤثر التغييرات المناخية على جميع مجالات الحياة وعلى فئات سكانية كبيرة من البشر والحيوانات. ومن المتوقع أن تزيد التغييرات المناخية من سوء أوضاع ملايين البشر الصحية، أن تؤدي إلى الانخفاض بتوفر المياه لأكثر من سدس سكان العالم، أن تتسبب بأضرار تلحق خط الساحل، الزراعة، مناطق عيش الآلاف، ومصادر الغذاء وغير ذلك.
ووفقا لأحد التقارير المهمة، تقرير شتيرن، والذي نُشر في بريطانيا عام 2006، ويستعرض التكاليف الاقتصادية للتغييرات المناخية، فإنّ التكلفة الاقتصادية لعدم اتخاذ إجراءات للحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري قد تصل في المستقبل إلى 5% – 20% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي كل عام. ويقرّر التقرير أيضًا أنّ التكلفة الاقتصادية لإجراءات الحدّ من انبعاث غازات الدفيئة يمكن أن تصل إلى 1% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في السنة الواحدة فقط.
ورغم أن إسرائيل هي عامل هامشي في انبعاثات غازات الدفيئة، فمن حيث إجمالي الانبعاثات للفرد فهي على غرار الدول المتقدمة، مثل دول الاتحاد الأوروبي. في إسرائيل أيضًا يتوقع ارتفاع مستوى سطح البحر، أضرار بمصادر المياه وجودتها وتغييرات في النظام البيئي عقب ارتفاع درجات الحرارة. ولذلك، هناك خشية في المستقبل من أن تتضرّر المياه، الزراعة، التوازن البيئي والسياحة في البلاد ضررا كبيرا.
بعد نحو أسبوع يفترض أن ينعقد في باريس مؤتمر المناخ التابع للأمم المتحدة، وهو حدث تم التخطيط له منذ زمن طويل وكان أبرز ما تم تسليط الضوء عليه من قبل الحكومة الفرنسية عام 2015. ومن المتوقع أيضًا أن يشارك رئيس الحكومة الإسرائيلي، نتنياهو، في هذا الحدث الكبير ويفترض أن يلتقي بالرئيس الفرنسي هولاند والرئيس الروسي بوتين، والذي سيتحدث معه حول المشكلة السورية. وفي ظلّ الهجمات في باريس والحرب على داعش، يبدو أنّ المشاكل البيئية في العالم عموما وفي الشرق الأوسط خصوصا، يتم إهمالها إلى هوامش المؤتمرات الدولية رغم مركزية هذه القضايا في إعطاء حلول مستقبلية للمنطقة وحلّ جزء كبير من الأزمات السياسية والدبلوماسية.