في الوقت الذي جُنّ فيه العالم كله من “تحدّي دلو الثلج” لرفع الوعي حول مرض التصلب الجانبي الضموري (ALS)، تحدى بعض الأشخاص في لبنان العالم العربي بتحدّ جديد خاص بهم: حرق علم داعش. بدأت الظاهرة بمبادرة طلاب جامعيين ناشطين من بيروت، كردة فعل على اختطاف جنود لبنانيين في مدينة عرسال، على الحدود مع سوريا، وقتل اثنين منهم. وخلال زمن قصير تحوّل التحدي إلى ظاهرة منتشرة في الشبكات الاجتماعية، وخصوصًا في لبنان، ولكن أيضًا في سائر بلدان العالم العربي: يلتقط أشخاص الصور – بعضهم بوجوه مكشوفة والبعض الآخر بوجوه مخفية – وهم يمسكون العلم الأسود للتنظيم (أو صورة العلم)، يقومون بإحراقه، ويلقون بالتحدي إلى أشخاص آخرين يدعونهم للمشاركة في الاحتجاج.
ولماذا يقوم بعض المحتجّين بذلك دون الكشف عن شخصياتهم؟ على ما يبدو أنّه في أماكن معيّنة هناك من يخشى أن يأتي دوره ويقع في أيدي التنظيم الإجرامي. في لبنان على أية حال، هناك من يختار عدم الكشف عن شخصيته بسبب إشكالية هذا الشكل من أشكال الاحتجاج. وتظهر على علم من يدّعي أنّه “الدولة الإسلامية” كلمة الشهادة “لا إله إلا الله، محمد رسول الله”. إن حرق هذا النص المقدّس بذاته يُعتبر لدى الكثير من المسلمين في العالم مسًّا بالدين الإسلامي ومعتنقيه. ولذلك أمر وزير العدل اللبناني، أشرف ريفي، باعتقال الطلاب الذين حرقوا علم داعش.
http://www.youtube.com/watch?v=AJ72krOmIms&feature=youtu.be
احتج بعض المحتجين ضدّ داعش أيضًا على ذلك. “رأى الوزير ريفي فقط اسم الله وسط اللهيب”، هذا ما كتب في مدونة المجلة اللبنانية GlamroZ. “لم ير داعش وهي تقتل الجندي المسلم علي السيد، ولم ير جميع الكنائس التي تمّت مهاجمتها، ولم ير التهديد الكبير الذي تعيش تحته البلاد بسبب رجال العلم الأسود، الذين لا يعرفون تفسير كلمة الله”. ويطالب حارقو علم داعش، كما ادعى المحتجّون، بالخروج ليس فقط ضدّ الطابع الإجرامي لـ “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، وإنما ضد استخدام الدين الذي يقوم به التنظيم وباسم الله من أجل تنفيذ جرائم ليس بينها وبين الاعتقاد أيّ صلة. إذا تجرّأ رجال داعش على الاقتراب من لبنان، كما أكّد مدوّن مسيحي من لبنان، سنتوحّد جميعنا – المسلمون والمسيحيون – من أجل الدفاع عن لبنان والوقوف وراء الجيش اللبناني. وقد أرفق لذلك صورة لشعار جنود المارينز الأمريكيين والذي يقول: “هذا هو دور الله؛ أن يحاكم الإرهابيين… هذه هي مهمّتنا؛ أن ننظّم اللقاء بينهم”.
ومع ذلك، فإنّ معظم المحتجّين الذين شعروا بعدم الراحة من حرق علم مكتوب عليه “الشهادة”، وكي لا يمسّوا بمشاعر ملايين المسلمين الآخرين غيّروا المكتوب باللون الأبيض على العلم الأسود. والآن، بدلا من “الشهادة” فإنّ الكتابة التي تظهر على العلم المعدّ للحرق هي: “لا إله للإرهاب”.
ولم يتوقف بذلك الاحتجاج في العالم العربي ضدّ ظاهرة داعش. وقد بالغت – ليس للمرة الأولى – المدوّنة المصرية الشهيرة علياء المهدي، حين التقطت لها صورًا وهي عارية تجلس على العلم الأسود، وبدت في الصورة وهي تتبوّل على العلم. والمهدي هي ناشطة إنترنت وناشطة من أجل حقوق المرأة في العالم الإسلامي، وقد اشتهرت عام 2011 بعد أن نشرت مقطع فيديو ظهرت فيه مع شريكها وهما يتجادلان مع حارس حديقة في القاهرة، سعى إلى طردهما لأنّهما مارسا الجنس على العلن. في وقت لاحق قامت برفع صورها وهي عارية على مدوّنتها، وأثارت بذلك نقاشًا جماهيريّا عاصفًا في مصر وخارجها، وجعلت من نفسها هدفًا للتهديدات والمضايقات. وفي النهاية طلبت لجوءًا سياسيًّا في السويد، والتي تعيش فيها اليوم، ويبدو أنها تقوم من هناك أيضًا بإزعاج “النظام العام”.
http://www.youtube.com/watch?v=hAxIOC8Zisc&feature=youtu.be
كانت ردة فعل نشطاء إنترنت مختلفين في العالم العربي أكثر اعتدالا وتواضعًا. فقد افتتح ناشطون في سوريا صفحة فيس بوك سُميت “أنا مسلم وأنا ضد داعش”، وخرجت في أوساط الجاليات المسلمة في الغرب حملة تعلن أنّ داعش لا تمثّلهم. وقد نظّم هؤلاء يومًا ضدّ الكراهية في ألمانيا، عقدوا مسيرة في النرويج، وحملة على تويتر في إنجلترا، كل ذلك تحت عنوان “ليس باسمي”. تلقّت هذه الحملة قدرًا ليس بقليل من الانتقادات. من جهة، كان هناك بين المسلمين من ادعى أنّهم لا يشعرون بوجود أي حاجة للاعتذار أمام العالم العربي الذي يظنّ أن داعش تمثّل الإسلام أو المجتمع الإسلامي.هذه مشكلة المجتمعات الغربية التي تنظر إلينا هكذا، كما قالوا، وليس مشكلتنا.
ومن جهة أخرى، ادعى آخرون أن شعار “ليس باسمي” هو تهرّب من المسؤولية. كيف يمكننا أن نتهرّب من المسؤولية، تساءل المنتقدون، إذا كنّا نحيا في مجتمع يتيح العنف ضدّ النساء، ويلاحق الأقليات الجنسية، ويشوّه مصطلح “الرجولة” إلى درجة أنّه يسمح بقتل النساء على خلفية شرف العائلة؟! على حافة هذه الظواهر، كما قالوا، توجد أيضًا ظاهرة داعش.
إن إحدى الظواهر الأكثر إثارة للاهتمام والتي شوهدت مؤخرًا هي تحديدًا الأغاني التي صدرت في العالم العربي ضدّ داعش. بعض هذه الأغاني، التي تُنشر بشكل أساسي عن طريق الإنترنت والشبكات الاجتماعية، وخُصّصت لتشجيع الجيش العراقي في حربه ضدّ التنظيم. وبعضها الآخر، مثل أغنية “أنت يا داعش” للمطرب العراقي وليد العبادي، يسخر من التنظيم ومن يقف على رأسه، أبو بكر البغدادي.
وهكذا أيضًا في حالة أغنية “دولة الخرافة”، التي تصوّر البغدادي باعتباره فرخًا جهاديّا فقس من البيضة وأصبح أسوأ من الشيطان نفسه. واسم الأغنية – التي تستخدم كأغنية شارة لسلسلة هزلية من المفترض أن تعرض في التلفزيون العراقي قريبًا – هو في الواقع لعب بكلمات اسم “دولة الخلافة”، والتي يسعى عناصر داعش إلى إقامتها في سوريا والعراق.
http://www.youtube.com/watch?v=MLBUjzlgONM&feature=youtu.be
ولكن الأغنية الأظرف التي صدرت مؤخرًا ضد داعش تأتي هي أيضًا من لبنان، وهي أيضًا تسخر ليس فقط من البغدادي نفسه، وإنما من جميع المؤمنين المتطرّفين الذين يفسّرون الإسلام بشكل صارم جدًا: “وأنا والله”، كما جاء في الأغنية، “لو كنت بقرة لكنت والله سألبس سوتيان” (من أجل عدم الكشف عن الأثداء أمام الرجال الأجانب).
تم إخراج أغنية “مدد بغدادي” لأول مرة قبل عدّة أسابيع من قبل إحدى الفرق البديلة المتطرّفة في لبنان “الراحل الكبير”، وقد أثارت – بطبيعة الحال – نقاشًا عامّا ساخنًا. جاءت بعض الجمل الساخرة في الأغنية مثل: “وعلى شان الإسلام رحمة رح ندبح و نوزع لحمة (للفقراء)، وعلى شان نخفف زحمة حنفجّر في خلق الله”، وقد اعتبرت في نظر البعض سخرية وانتقادا لتطرف تنظيم داعش، وفي نظر آخرين مسّا بدين الإسلام بشكل عام. وما زالت الأغنية تظهر بتأييد عند الشباب في لبنان، ويمكن سماعها في عروض الفرقة الناجحة كلّ يوم ثلاثاء على مسرح “مترو المدينة” في بيروت.
أكثر بساطة ومباشرة هو مقطع الفيديو الذي رفعه بعض سكان مدينة الموصل إلى اليوتيوب، حيث خصّصوا لإخوانهم في سوريا ولبنان أغنية يؤديها مطرب في مطعم. اسم الأغنية… “ينعل أبوك يا داعش”. يجب أحيانًا أن تكون شاملا وواضحًا.
نُشر المقال أولا في موقع “هآرتس“