مَن في إسرائيل لا يعرف إلى أيّ حدّ تحوّل عيد الميمونة، الذي يُحيي نهاية عيد الفصح، إلى إحدى أهم المناسبات المفرحة والتي تحظى بتغطية إعلاميّة في المجتمَع الإسرائيلي؟!
فالسياسيون ينقضّون في ليلة الميمونة على العشائر المعروفة والمرموقة بين يهود المغرب للتمتّع بألذّ مأكولات العيد الذي يمثّل الخصوبة والبركة، لتناول المُفلطّة مع العسل، والتصوّر مع وجهاء الجالية، آمِلين أن تكتب الصحف عنهم غداة العيد.
يُعتبَر هذا العيد مرتبطًا بذوي الأصول المغربية في إسرائيل بشكل أساسي، كما ذكرنا آنفًا. فقد احتفل يهود المغرب بالميمونة في نهاية عيد الفصح، الذي يُمنَع فيه تناوُل الخبز وأيّ أمرٍ مختمِر، لأنهم آمنوا أنّ أبواب السماء تُفتَح في تلك الليلة، وأنّ الله يستجيب أية صلاة أو دعاء.
يستمرّ الاحتفال بالميمونة ليلةً ويومًا، تُؤكَل فيهما مأكولات مرتبطة بالبركات (مثل العسل، الحليب، الطحين، الحبوب، والحلويات)، يكثُر الفرح، يزور المرء قريبه، ويبارك الواحدُ الآخَر بالكلمتَين “تربحوا وتسعدوا” (ربما: بالرفاه والمساعدة أو ليكن لديكم رفاه وتساعِدوا غيركم). وفق الإيمان الشعبي، الميمونة هي تميمة من أجل الرزق وإيجاد رفيق زواج.
يعود أصل العيد، وفق تقدير الباحثين، إلى القرن الثامن عشر. في جميع أيّام الفصح السبعة، كان اليهود يحرصون على عدم تناوُل الطعام أحدهم في بيت رفيقه، خشية أن يأكلوا خطأً شيئًا مختمرًا، معربين عن حرص زائد على ذلك. لهذا السبب، فور انتهاء العيد، كان أحدهم يستضيف رفيقه، كعلامة على انتهاء مفعول الحظر.
ليس هناك إجماع على مصدر الاسم “ميمونة”. ففي الواقع، ثمة ما لا يقلّ عن أربعة تفسيرات مختلفة:
1. تحريف للكلمة العبرية “إمونة” (إيمان).
2. على اسم الحاخام ميمون بن يوسف، والد الرمبام (موسى بن ميمون)، الذي وُلد ومات خلال عيد الفصح.
3. من كلمة “ميمون” بالعربية، التي تُشير إلى الحظّ.
4. وجبة مصالحة كانت تُعدّ على شرَف “ميمون ملك ملوك الشياطين”.
عادات العيد
تتميّز ليلة الميمونة بإبقاء باب البيت مفتوحًا (ما دام أفراد الأسرة موجودين وصاحين) لدعوة كلّ مَن يريد الدخول، وليس بالضرورة أفراد العائلة، المعارف، أو المدعوّين مسبقًا فقط. في البلدات التي فيها كثافة كبيرة ليهود المغرب في إسرائيل، تميّزت ليلة الميمونة خلال سنوات بجولة كانت تقوم بها كلّ عائلة على جميع العائلات الأخرى، ما زاد المشاعر الاحتفاليّة، لأنّ تلك الليلة كانت تنتهي غالبًا بإغلاق أبواب البيوت فجرًا.
معظم التضييفات لأفراد الأسرة والضيوف من الحلويات (تعبير عن التمني بأن تكون السنة حلوة). غالبًا ما تكون هذه حلويات ومربى من أنواع مختلفة، تعدّها ربّة البيت خلال عيد الفصح. لذلك، كلّ المركّبات هي من الأمور المحلَّلة في الفصح (التمور، الفول السوداني، اللوز، الجوز، السكّر، وما شابه) دون أي أمر مختمِر (طحين، خميرة، وما شابه).
وتشذّ عن ذلك المُفلِطّة – مُعجَّن أمسى اسمًا مرادفًا للميمونة. يجري تحضير المُفلطة (قطعة خبز تُدهَن بالزبدة وتُغمس بالعسل) قبل دقائق قليلة من تقديمها، من طحين يُشتَرى في ليلة العيد نفسها.
على المائدة، من المعتاد مدّ شرشف أخضر، عليه شرشف أبيض شفّاف. يمثّل الأبيض البداية الجديدة والطهارة، فيما يمثّل الأخضر الازدهار والتبرعُم. توضع أيضًا مأكولات ذات لون أبيض (منتجات حليب) وأخضر (فول وخسّ). فضلًا عن ذلك، من المُعتاد وضع وعاء يحتوي على نعنع، وعاء مع سكّر وفول، ووعاء فيه سمك (رمزًا للوفرة، النجاح، والخصوبة).
إحياء الميمونة في موطنها الأصليّ – المغرب
اعتاد يهود إسرائيل المغاربة على الاحتفال بالعيد في موطنهم الأصلي مع جيرانهم العرب في المغرب. فبعد أن يفرغ الرجال من الصلاة في المجامع المختلفة في المدن الكبرى في المغرب، كانت النساء تُعددنَ سلّة تحتوي على مأكولات العيد، بينها فطائر البيض واللحم، الخبز الفطير، والسّلطات المختلِفة. وحين يعود الرجال من الصلاة، كانوا يأخذون السلّة ويُقدّمونها هديّة لأحد الجيران أو المعارف المُسلِمين.
دامت علاقات حُسن الجوار بين اليهود والمسلمين أجيالًا عديدة. فقد رحّب المسلمون بجيرانهم اليهود وفق أصول الضيافة الشرقية، ومنحوهم في المقابل سلّة طعام تحوي الحليب، اللبن، الزبدة، الطحين، والخميرة. بفضل الخميرة (التي كان يُمنَع تواجدُها في بيوت اليهود في الفصح)، تمكّن اليهود من تحضير العجين للخبز والكعك في نهاية عيد الفصح.
استُهلّت احتفالات الميمونة باحتفال عجن العجين، الذي شارك فيه جميع أفراد العائلة. كان الخبز الفطير الذي خُبز في البيت أثناء العيد عسر الهضم، لا سيّما للأطفال والشيوخ، ولذلك كان الجميع ينتظرون بفارغ الصبر الخبز عند انتهاء العيد.
استئناف عادة الاحتفال بالميمونة في إسرائيل
تابع يهود شمال إفريقيا، الذين بدؤوا بالتوافُد على إسرائيل منذ الخمسينات، الاحتفال بالميمونة في إسرائيل في إطارٍ عائليّ. عام 1966، جرت المحاولة الأولى لإضفاء طابع العيد الوطنيّ على الميمونة. فقد جرت الاحتفالات، التي نُظّمت بالتعاون مع جمعية ناشطي فاس (مدينة مغربيّة)، في غابة هرتسل، بمشاركة 300 رجل وامرأة من فاس، جميعهم أقرباء وأصدقاء. إثر نجاح اللقاء، تقرّر إحياء الميمونة في جميع مُدن إسرائيل.
مع انتهاء عيد الفصح عام 1968، جرت الاحتفالات في القدس، بمشاركة 5000 شخص، بينهم أبناء جاليات أخرى. وبعد عام، تضاعف عدد المُشارِكين.
اجتازت احتفالات الميمونة في العقود الأخيرة عملية مشابهة لتلك التي اجتازتها الموسيقى الشرقية، إذ خرجت من هامش الحضارة الإسرائيلية إلى التيّار المركزي. روى الممثّل الكوميديّ الشعبيّ، شالوم أسييج، الذي ترعرع في أسرة مغربية، أنه في سنوات طفولته في إسرائيل، كان يحتفل مع أصدقائه بالميمونة سرًّا، كأنهم يرتكبون خطيّة. “خجلتُ من دعوة أصدقاء مقرَّبين إلى بيتي”، روى في إحدى المُقابَلات معه. حسب تعبيره، كان “تغيُّر النظرة إلى المشرقية” هو الذي أدّى إلى إنقاذ الميمونة من (الغيتو المغربي).
ووفق دانيال بن سيمون، الصحفي العريق في صحيفة “هآرتس” والمولود في المغرب، هذا هو “نوع من الاعتذار من الدولة ومحاولة حقيقية لمصالحة المغاربة”. ويضيف: “الميمونة هي ضحيّة نجاحها. فقد نجحت الميمونة إلى حدّ كبير في أن تكون إسرائيلية، بحيث خسرت مغربيتها وأضحت عيدًا وطنيًّا”.
لا يرحّب الجميع بتأميم الميمونة. فقد نشر البروفسور يوسي يونة، المحاضر والباحث في جامعة بن غوريون في النقب ومعهد فان لير في القدس، مقالة نقديّة لاذعة عام 2007 في الموقع الإخباري لصحيفة يديعوت أحرونوت “ynet”، بعنوان “أغنية المُفلطة”.
في تلك المقالة، يُطرَح الادّعاء أنّ العيد ليس غير داعم لشرعيّة التقاليد المغربية في الحضارة الإسرائيلية وللصورة الإيجابية للقادمين من المغرب فحسب، بل هو مُضرّ بالأمرَين. “إنّ تحوّل الميمونة إلى عيد وطنيّ يدلّ، كما يقول البعض، على أنّ الرحلة الطويلة المليئة بالمعاناة للقادمين من المغرب نحو الاندماج كاملًا في المجتمَع الإسرائيلي والاستيطان في لُبّ الإجماع الحضاري، قد وصلت إلى نهايتها السعيدة… لكن قبل تقديم التهانئ بذلك، دعونا نمعن النظر قليلًا. فهل تحظى الميمونة حقًّا بمكانة محترَمة في الحضارة الإسرائيلية المشترَكة؟ إذا كنّا سنحكم وفق التغطية الإعلامية التي تُكرَّس لها، فإنّ التراث المغربي يتلخّص في النساء اللاتي ترفعنَ أصواتهنّ في الأهازيج وتهتززنَ نحو الضارب على الطبل، فيما يعلو في الخلفيّة دخان الكوانين. إنّ إبراز التعبيرات عن الفرح هذه لا يساهم بالضبط في دمج التراث المغربي ضمن الحضارة الإسرائيلية. على النقيض من ذلك، إنه يشجّع على النظر إليه كأمرٍ أدنى لا معنى له في الوعي العامّ”.