في تشرين الأول عام 1953، انتقل وزير الخارجية الإسرائيلي حينذاك، موشيه شاريت، إلى مقره الجديد الذي اشترته قبل سنة من ذلك دولة إسرائيل. كتب شاريت في يومياته “المقر كبير ورائع، كيف يمكن أن نسيطر على كافة المساحات الواسعة فيه، وكيف نستغلها جيدا دون أن نضيع فيها؟”.
أصبح ذلك “المقر الكبير” في وقتنا هذا، مقرا رسميا لرئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي، بنيامين نتنياهو، وعقيلته سارة (منذ عام 1974).
لا شك أن المقر الكبير الذي تحدث عنه موشيه شاريت، في خمسينيات القرن الماضي، لم يعد يعبتر كبيرا وفخما جدا، على الأقل، ولا يبدو كالقصور المُذهّبة التي زارها رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب وعقيلته ميلانيا، في الأيام الثلاثة الماضية، أثناء زيارتهما التاريخية إلى السعودية.
أكثر من ذلك، فمقر رئيس الحكومة، الذي يقع في نقطة التقاء بين شارعي بلفور وسمولنسكين في القدس، تصدر النقاش العام، إثر التقارير المالية حول حياة تبذير عائلة نتنياهو على حساب أموال الجمهور الإسرائيلي لصيانة المنزل دوريا.
في شباط عام 2015، سمحت عائلة نتنياهو بإلقاء نظرة إلى المقر الذي يستضيف غالبا رؤساء العالم أثناء زياراتهم الرسمية، مشددة على المستوى المُتدني للمقر وعدم ملاءمته للعصر الحديث ومكانة الزوار المحترمين مثل ترامب، الذي سيحل ضيفا فيه هذا المساء (الإثنين) لتناول وجبة عشاء رسمية مع عقيلته ميلانيا.
سمحت السيدة نتنياهو القيام بجولة لصحفي في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، متحدثة أمامه عن وضع المقر المتدني وتواضعها هي وزوجها خلافا لما قيل عنهما حول تبذيرهما المفرط في وسائل الإعلام.
معطيات هامة حول مقر رئيس الحكومة
يمتد المقر على مساحة 675 مترا، وهو مبني على مساحة دونم ونصف. أي أنه فيلا كبيرة جدا تتضمن ساحة واسعة، حيث في وسع عائلة نتنياهو استضافة رؤساء الدول أو أصدقائهم. يقدّر خبير بالأراضي أن سعر المقر نحو 40 مليون شيكل (10 ملايين دولار فقط)، مقارنة بملاييين الدولارات التي يستثمرها السعوديون في الاعتناء بالقصور الفاخرة الرسمية في السعودية.
هناك ماض تاريخي طويل لمقر رئيس الحكومة. ففي عام 1935، اشترى تاجر يهودي ثري، مصري الأصل، يدعى ادوارد أجيون، كان نشطا في حركة صهيونية، الأرض لبناء منزل على حدود الحي السكني الذي كان يسكن فيه كبار الأكاديمية والمؤسسة السياسية الصهيونية، بالقرب من حي رحابيا وحي الطالبية، حيث سكن فيه كبار الفلسطينيين في عصر الانتداب، بما في ذلك أغنياء تلك الفترة. صمم المقر مصمم يهودي يدعى ريخارد كاوفمان.
عاشت عائلة أجيون عدة سنوات فيه ومن ثم استأجره مستأجرين- من بينهم بيتر، ملك يوغوسلافيا، حيث سكن فيه لمدة سنة تقريبا.
في بداية الخمسينيات، أصبح المقر ملكا لدولة إسرائيل، ومقرا لوزير الخارجية الرسمي. مع مرور الوقت أصبحت مساحة البيت أكبر أكثر فأكثر. في عام 1974، تحوّل المقر من مسكن وزير الخارجية الإسرائيلي إلى مقر رئيس الحكومة، وكانت المساحة المنبية فيه 380 مترا فقط. أما عام 1997، كان العام الأخير الذي ازداد فيه حجم المقر، حيث أضيفَت مساحة مبنية حجمها 45 مترا لتوسيع حجم موقف السيارات فيه. في عام 1974، قبل أن ينتقل إسحاق وليئة رابين للعيش فيه، بصفتهما العائلة الحاكمة الأولى التي يسكن فيه، اجتاز المقر ترميما كاملا.
منذ ذلك الحين، يجتاز المقر كل بضع سنوات ترميما لا سيّما عند دخول سكان جدد. مثلا، في الحقبة الأولى من ولاية نتنياهو كرئيس الحكومة في التسعينيات، سكنت عائلة نتنياهو في شقة مستأجرة في القدس لبضعة أشهر، حتى إنهاء ترميم المسكن. اجتاز المقر ترميما أيضا عندما سكن فيه إيهود أولمرت. قبل ثلاث سنوات، عندما سكن الزوجان نتنياهو في المقر، اجتاز ترميما بتكلفة 95 ألف شيكل فقط (أي حوالي 23 ألف دولار)، تكلفة زهيدة مقارنة بفخامة القصور في السعودية.
مقر رئيس حكومة إسرائيل في المستقبَل
ثارت عاصفة جماهيرية في عام 2015 بسبب الترميم والاستثمار المالي غير المسبوقين في مقر رئيس الحكومة، لا سيّما بسبب برنامج، عمل عليه نتنياهو، لبناء مقر رئيس حكومة جديد حيث يجمع مقر العائلة الشخصي ومكاتب رئيس الحكومة، وقد وافقت عليه حكومة نتنياهو.
منذ عام 2009، عندما كان إيهود أولمرت رئيس الحكومة، أعد المصصم الإسرائيلي، رام كارمي، برنامجا لإقامة منشآة حكومية كبيرة بتكلفة 650 مليون شيكل، (نحو 163 مليون دولار). تعرض البرنامج لانتقادات بسبب التكلفة الباهظة وبسبب “الشكل المبالغ به وغير الاعتيادي للمبنى”. لذلك لم يخرج حيز التنفيذ.
بعد مرور بضع سنوات، توفي المصمم إلا أن أخته اهتمت بتطبيق البرنامج الجديد، الذي عُرِض على نتنياهو.
سيجمع المشروع الجديد مقر رئيس الحكومة ومكتب رئيس الحكومة، ولن يُبنى في حي سكني كما هو الحال في يومنا هذا، بل في الجزء الغربي من القدس – بالقرب من مقر المحكمة العليا. المساحة المُحددة للموقع كبيرة وحجمها 33 دونما. يمكن بناء 90 ألف متر فيها وفق القانون ومن المتوقع أن تظل التكاليف كما كان متوقعا في الماضي، أي 650 ألف شيكل.
سيكون المقر مبنى دائريا وسيُبنى معظمه تحت الأرض. ستُبنى في أعلى المقر حديقة يمكن الوصول إليها من خلال المشي على سطح مائل وسيحصل رئيس الحكومة وعائلته على ثلاثة طوابق من المبنى فقط.