“بعد خمس سنوات من موجة الانتفاضات فإنّ الوضع في العالَم العربي أسوأ من أيّ وقت مضى… إن فشل أجيال النخب في البلدان العربية في إنشاء نماذج ذات كفاءة من السلطة، المسؤولة أمام المواطنين والعاملة على تعزيز التعليم”، هو أساس الانحطاط، كما جاء في “الإيكونوميست” مؤخرا. يندرج المجتمع الفلسطيني ضمن هذه القاعدة. يشكل الأطفال الذين يطعنون الناس هاتفين هتافات الله أكبر، إشارة إلى استمرار تدهور المجتمع الذي يترعرعون فيه نحو الهاوية.
اعتاد الإرهابيون الفلسطينيون قبل سنوات على اختطاف الطائرات وتفجيرها. بعد ذلك جاء الإرهابيون الانتحاريون، والآن جاء جيل الأطفال، الذين يهاجمون الحاخامات والنساء الحوامل بسكاكين المطبخ. من ينسب هذه الظاهرة إلى “الاحتلال” الإسرائيلي يحاول عرض حجج واهية لثقافة تمجّد الموت والقتل، ثقافة مجتمع غير قادر على الاهتمام بأفراده. إنّ الرؤيا التي بحسبها يكون داعش نموذجا للاقتداء تلحق بالمجتمع الفلسطيني وغاياته ضررا لا يقدّر بثمن.
خيّبت القيادة الفلسطينية، بدءًا من الحاج أمين الحسيني وصولا إلى ياسر عرفات، إسماعيل هنية ومحمود عباس أجيالا من الفلسطينيين. إنها قيادة تعلم الأطفال الفلسطينيين تكريس أنفسهم للإرهاب والموت. إذ يُعرض قتل الأبرياء كمثال يصل من يحقّقه إلى الجنة.
إنّ السبب الذي لم يؤدِ إلى تدهور الوضع في الضفة الغربية إلى الهاوية التي وصلت إليها العراق وسوريا هو أنّ السكان فيها يعيشون قرب إسرائيل ويرون كل يوم مزايا النظام الديمقراطي الحريص على رفاهية مواطنيه. إنّ وجود الجيش الإسرائيلي والتعاون بينه وبين الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة هما اللذان يمنعان تدهور المجتمع الفلسطيني نحو الفوضى التامة. لولا “الاحتلال” الإسرائيلي، لكان داعش أو حماس هما من يديران الأمور هناك، وكان سيشتاق الفلسطينيون إلى “الاحتلال” الإسرائيلي.
تحق للفلسطينيين في الضفة الغربية المشاركة في القرارات التي تحدّد مصيرهم. حقيقة أنّ الفلسطينيين الذين يعيشون في قطاع غزة – تحت السيادة الفلسطينية اسميّا – محرومون من هذا الحقّ، وأنّ إخوانهم في الشرق الأوسط لم يحصلوا على فرصة كهذه أبدا، لا تعزيهم. ليس هناك الكثير من الأسباب لنفترض أنّ الانسحاب الإسرائيلي سيمنحهم هذه الفرصة، ولكن هناك أسباب جيدة لنفترض أنّه سيؤدي إلى الفوضى. لقد رأينا “المزايا” التي سيحصل عليها السكان المحليون بعد الانسحاب في أعقاب فكّ الارتباط عن قطاع غزة وسيطرة حماس على المنطقة. قارنوا فقط بين حالة الفلسطينيين في قطاع غزة وحالة الفلسطينيين في الضفة الغربية.
ومع ذلك، فإنّ إسرائيل لا تسيطر على الضفة الغربية من أجل السكان الفلسطينيين. إنها تسيطر عليها لأنّ الأردن احتل المنطقة عام 1948 وهاجم إسرائيل منها عام 1967، ولأنّه بعد الحرب العالمية الأولى اعترف المجتمع الدولي بحقّ الشعب اليهودي في الاستيطان بالمنطقة ولأنها تحرص على أمنها، وذلك مع غياب الشريك القادر على التفاوض على اتفاق وتنفيذه، حيث لا يظهر في هذه اللحظة أي تغيير في الأفق.
في هذه الأثناء بإمكان إسرائيل العمل كثيرا على تحسين ظروف الفلسطينيين المعيشية، ولكن مهمّة تربية الأطفال ملقاة على عاتق أهلهم وعلى الجهاز التربوي الفلسطيني. إذا استمر تنظيم داعش في أن يكون قدوة لهم، سيستمر وضع المجتمع الفلسطيني بالازدياد سوءًا.
إنّ موجة العُنف الأخيرة، التي تعتمد على عمليات الأفراد، ولا سيما الأطفال، تضع تحدّيا جديدا أمام القوى الأمنية الإسرائيلية. لحسن حظّنا، فبإمكانها الاستعانة بجمهور يقظ حيث إن الكثير من أفراده مسلحون. ومعًا سيتغلّبون على هذه الموجة القذرة. ولكن ماذا سيحدث للفلسطينيين؟
نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس”