في الوقت الذي تشن فيه إسرائيل هجمات جوية على مواقع تابعة لجيش الأسد وحزب الله وتعلن للعالم أنها لن تقبل بتموضع إيران على حدودها، يخرج الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي باللغة العربية ببيان يخالف هذا الخط ويقول: “الجيش الإسرائيلي سيساند أهل حضر السورية ولن يسمح باحتلالها من أجل دروز إسرائيل”، مع العلم أن دروز قرية حضر موالون للأسد وحزب الله. كيف استطاع الدروز الحصول على تعهد علني كهذا من إسرائيل؟
يقول مراقبون ومحللون في إسرائيل إن السبب يعود إلى “تحالف الدم” الذي نشأ بين الطائفة الصغيرة التي يبلغ عدد أفرادها نحو120 ألف، أي أقل من 2 بالمئة من سكان إسرائيل، وبين الدولة العبرية. فهذا التعبير الذي يردّده قادة إسرائيل وزعامة الطائفة بين حين وحين يعود إلى انخراط الشباب الدرزي في صفوف الجيش الإسرائيلي ومساندة اليهود منذ إقامة دولتهم في الحروب التي هددت وجودهم. واليوم لسان حال الدروز هو “لقد ساندناكم فحان القوت أن تساندونا”.
وحين نقول إن الشباب الدرزي ينخرط بالجيش فنعني أن أكثر من 83% من شباب هذه الطائفة يلتحقون بالجيش الإسرائيلي. ويتفوق نسبة الدروز الذي يخدمون في الوحدات القتالية مقارنة باليهود وفي أدبيات الجيش وثقافته يذكر الدروز على أنهم أخوة السلاح ولهم مواقف بطولية لا تُحصى.
كيف نشأ التحالف؟
قصة الأٌقلية الدرزية في إسرائيل تشابه إلى حد ما قصة إسرائيل نفسها. فمثل إسرائيل الصغيرة التي استطاعت استمالة قوة عظمى – أمريكا – إلى جانبها، هم استطاعوا استمالة إسرائيل للوقوف إلى جنبهم.
هنالك من يقول إن اليهود الصهاينة في أثناء بناء دولتهم وتحديد سياستهم إزاء شعوب المنطقة رأوا فرصة في إمكانية فصل الطائفة التي تسكن الجبال عن المحيط العربي وكسب ولائها، ومن يقول إن الدروز شعروا بوجود فرصة في التحالف مع الدولة العبرية والصهاينة، لحمايتهم من الملاحقات والظلم الذي لحق بهم تحت الحكم العثماني. أيا كانت الرواية الأقوى، الحاصل هو أن اليهود والدروز اتفقوا وأنشأوا تحالفا لا يمكن تجاهله.
ففور قيام دولة إسرائيل عام 1948 تطوعت في الجيش الإسرائيلي وحدة صغيرة سميت “وحدة الأقليات”، ضمت نحو 80 درزيا سوريا انشقوا عن جيش الإنقاذ. وبعدها زاد أعداد الدروز الذين التحقوا بالوحدة التي صارت جزءا لا يتجزأ من الجيش الإسرائيلي، حتى سنّت إسرائيل قانون التجنيد الإجباري للشباب الدرزي.
وبمرور الزمن امتلأت المقابر العسكرية التي انشأتها الدولة في القرى الدرزية بالشهداء الذين قاتلوا إلى جانب اليهود وقتلوا في المعارك، وأصحبت مراسم ذكرى الشهداء الدروز مظهرا من مظاهر تحالف الدم بين الاثنين.
ويشير مؤرخون إسرائيليون إلى أن حرب عام 1948، وما أسفرت عنها من نكبة ألمت بالسكان العرب في فلسطين، لم تؤثر على الدروز أبدا، فلا يوجد دروز هجروا في أثناء الحرب. إضافة إلى ذلك، عمد اليهود على منح الدروز امتيازات في فلاحة أراضيهم خلافا لبقية العرب في السنوات الأولى لقيام الدولة، وهذا وطد العلاقة بين الطرفين.
ورغم ظهور معارضة لفكرة تجنيد الدروز في صفوف الجيش الإسرائيلي من قبل شخصيات درزية اعتقدت أن الدروز يجب أن يظلوا محايدين إزاء الصراع الإسرائيلي- العربي أو أن يظلوا مساندين للفلسطينيين في محنتهم، إلا أن الزعامات الدرزية المؤثرة في جبل الكرمل والجليل حسمت مصير الدروز واختارت الوقوف إلى جانب اليهود وإسرائيل.
رواية القرابة الدينية بين الدروز واليهود
هنالك من يقول إن مصير الدروز واليهود مشابها إلى حد كبير، فمثلما كان اليهود ملاحقين في أوروبا من الديانة المسيحية وفي الشرق الأوسط من الديانة الإسلامية، الدروز منذ نشأة مذهبهم في مصر ووصول أتابعه إلى لبنان وسوريا، عاشوا ملاحقات دينية من قبل المسلمين والمسيحيين في المنطقة، واضطروا إلى تطوير مبدأ التقية الذي يقضي بإخفاء المظاهر الدينية الدرزية وإبراز الشعائر الدينية الخاصة بحاكمهم، مثل تلاوة آيات من القرآن في أفراحهم وأتراحهم.
ويرى باحثون إسرائيليون أن العلاقة المميزة بين الطائفتين ليست وليدة التاريخ الحديث، إنما تعود إلى علاقة موسى، نبي اليهود، بشعيب، نبي الدروز، في مدين، حيث تحالف الاثنان وتزوج نبي اليهود ابنة شعيب، صفورة، وبعدها عين موسى شعيبا مستشارا له ونصحه نبي الدروز بكيفية إدارة شؤون الدولة، وله الفضل بنصيحة موسى بتوزيع الصلاحيات بدل إبقائها بيده.
كما أن الدروز يؤمنون من ناحية المبدأ بضرورة الولاء للحاكم، فمثلما يكن دروز سوريا الولاء للأسد، فدروز إسرائيل يكنون الولاء لإسرائيل. حتى أن بعض الدروز في إسرائيل ذهبوا إلى أبعد من ذلك وفكروا في إقامة حركة درزية صهيونية.
تحالف على المحك
تواجه علاقات الدروز باليهود على ضوء التحالف القوي بين الطرفين بين حين وحين اختبارات ليست سهلة. فقد شهد التحالف بينهما تصدعات واصطدامات جلبت التوتر في العلاقات لكنها دائما انتهت إلى التسوية والاحترام.
واحدة من هذه التصدعات احتدمت على خلفية الحرب في سوريا ومطالبة دروز إسرائيل الدولة العبرية بتقديم المساعدة للدروز في سوريا تماشيا مع مبدأ حفظ الإخوان الذي يعملون بموجبه. واشتد غضب الدروز في أعقاب ادعاءات ان إسرائيل تقدم العون لجبهة النصرة التي تحارب إخوانهم في سوريا، فقام حشد درزي في الجولان بمهاجمة سيارة إسعاف إسرائيلية كانت تقل جرحى سوريين، قال المهاجمون إنهم ينتمون لجبهة النصرة. ونظر الجيش إلى الحادثة على أنها تمادٍ من ناحية مواطني الدولة الذي يهاجمون قوات عسكرية.
وفي آخر مواجهة بين الدولة والدروز وصل عشرات الشبان الدروز إلى الحدود الإسرائيلية السورية وحاولوا اختراق الحدود إلى سوريا للوقوف إلى جانب دروز قرية حضر، ما دفع الجيش إلى صدهم. وكان لسان حال المتظاهرين الدروز “إن لم تساعدوا دروز حضر فنقوم بذلك بأنفسنا”، إلا أن تعهد الجيش الإسرائيلي بمساندة دروز حضر هدّأ الأوضاع.