قررت محكمة جنايات القاهرة تأجيل النطق بالحكم على الرئيس الاسبق حسني مبارك في قضية التواطؤ في قتل المتظاهرين اثناء ثورة 2011 التي اطاحت به الى 29 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
واوضح رئيس المحكمة القاضي محمود كامل الرشيدي ان المحكمة لم تنته من كتابة اسباب الحكم في القضية التي يحتوي ملفها، وفقا له، على 160 الف صفحة رغم انها عملت لساعات طويلة طوال الفترة السابقة لذلك قررت “مد اجل النطق بالحكم”.
واضاف انه “من ضمن التزام القاضي من الناحية الموضوعية ان يحرر اسباب الحكم” قبل النطق به مشيرا الى انه بشكل شخصي اعتاد ان يودع اسباب اي حكم يصدره صباح يوم النطق به.
وأكد، في معرض شرحه لاسباب تأجيل النطق بالحكم، ان تحرير اسباب الحكم يحتاج الى “الفي صفحة” على الاقل خصوصا وان المحكمة “تعهدت بان تكتب اسباب خاصة (للحكم) على كل متهم من المتهمين ال11 في القضية وهم عشرة في القفص واخر غائب”.
وقال القاضي، بعد ان عرض شريط فيديو يظهر الحجم الضخم لاوراق القضية، ان اسباب الحكم التي لم تنته هيئة المحكمة منها تتضمن ثلاثة عناصر هي “عرض الوقائع المادية للقضية وموجز لدفوع الدفاع عن المتهمين واستبيان مكنون ما استقر”.
ويحاكم الرئيس الاسبق الذي يبلغ السادسة والثمانين مع وزير داخليته حبيب العادلي وستة من كبار مسؤولي الاخير في هذه القضية التي تشمل ايضا قضية فساد متهم فيها مع نجليه علاء وجمال .
وقد سبق ان حكم على مبارك بالسجن مدى الحياة في هذه القضية في حزيران/يونيو 2012 لكن محكمة النقض قررت الغاء الحكم واعادة محاكمته امام دائرة جديدة.
وكان الرئيس المصري الاسبق نقل الى محكمة جنايات القاهرة على سرير طبي من مستشفى المعادي العسكري في القاهرة الى مقر اكاديمية الشرطة في ضاحية التجمع الخامس بشرق العاصمة المصرية.
وظهر مبارك في الجلسة جالسا على مقعد متحرك وبجواره نجلاه.
يواجه مبارك الذي حكم مصر بقبضة من حديد لنحو ثلاثين عاما، اتهامات بالتواطؤ في قتل مئات المتظاهرين اثناء ثورة العام 2011.
تأتي اعادة المحاكمة في اجواء مختلفة عن تلك التي كانت سائدة قبل سنتين.
فقد اجرت مصر في حزيران/يونيو 2012 اول انتخابات رئاسية ديموقراطية انتخب فيها رئيس مدني واسلامي للبلاد هو محمد مرسي في اقتراع بدا كانه ينذر بحكم استبدادي. وبعد نحو سنة وتحت ضغط شعبي هائل اطاح الجيش بمرسي الذي اودع السجن حيث يواجه عقوبة الاعدام. وفي نهاية ايار/مايو 2014 انتخب قائد الجيش السابق عبد الفتاح السيسي رئيسا للبلاد.
وشنت السلطات المصرية حملة عنيفة على المعارضة الاسلامية ادت الى مقتل 1400 شخص معظمهم من انصار جماعة الاخوان المسلمين واعتقال آلاف آخرين. وحكم القضاء على مئات منهم بالاعدام.
والى جانب الاسلاميين، اوقف عشرات الشبان الليبراليين والعلمانيين الذين قادوا الثورة، لمشاركتهم في تظاهرات غير مرخص لها.
وقد اكد السيسي اكثر من مرة رغبته في اعطاء الاستقرار الاولوية ولو على حساب الحريات في موقف لقي تاييدا كبيرا من الشعب الذي انهكته ثلاث سنوات من الفوضى والانفلات الامني والركود الاقتصادي.
وجعل تدهور الاوضاع الاقتصادية والامنية في عهد محمد مرسي والفترة التي تلتها الكثيرين يشعرون بالحنين لعهده الذي يرونه تميز ب”استقرار اقتصادي وظروف معيشية افضل” مقارنة بالوضع الحالي.
وتواجه مصر في الواقع منذ عزل مرسي اعتداءات دامية تشنها الجماعات الجهادية وتستهدف قوات الامن والجيش. كما بات ينظر الى ثورة 25 يناير على انها مؤامرة على مصر تستهدف اضعافها.
حتى ان الكاتب الصحفي ابراهيم عيسى المعارض الشرس لمبارك، شهد في اعادة المحاكمة بان اعمال العنف التي جرت خلال الثورة كانت على الارجح من فعل مخربين وليس من فعل الشرطة.
وفي اشارة الى هذا اختلاف الاجواء فان محاكمة مبارك التي لقيت في البداية متابعة كثيفة من المصريين لم تعد تتصدر الصفحات الاولى للصحف المصرية التي لم يشر معظمها الى الخبر سوى في الصفحات الداخلية.
وخلال الجلسة السابقة للمحكمة في اب/اغسطس الماضي ، دافع مبارك عن فترة حكمه نافيا التهم الموجهة ضده في “خطاب عاطفي” مؤثر كان الاطول الذي يلقيه منذ عزله في شباط/فبراير 2011.
وخاطب مبارك القضاء وهو جالس على كرسي متحرك. وكان قد صدر حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات في قضية فساد تعرف في مصر باسم “القصور الرئاسية” في ايار/مايو الماضي حكم في اطارها ايضا على ولديه علاء وجمال بالسجن اربع سنوات.
وقال الرئيس الاسبق ان “حسني مبارك الذي يمثل امامكم لم يكن ليأمر ابدا بقتل المتظاهرين وإراقة دماء المصريين”، وهو ما كرره مرة اخرى. واضاف “لم أكن لآمر ابدا بقتل مصري واحد لاي ظروف او اسباب”.
ودافع عن سياساته في مجال السياسة والاقتصاد خلال فترة حكمه. وقال ان مصر شهدت “اعلى معدلات نمو واعلى احتياطي للنقد الاجنبي” في تاريخ البلاد مؤكدا انه عمل على “حماية الامن القومي المصري”.
وتابع “لعل حديثي اليوم هو اخر ما اتحدث له (…) قبل ان ينتهي العمر ويحين الاجل واوارى في تراب مصر الطاهر”، وتابع “انني احمد الله مرتاح الضمير ان قضيته مدافعا عن مصر ومصالحها وابنائها حربا وسلاما”.
ومع دفاع معظم الشهود من مسؤولين في الشرطة والجيش عن مبارك يخشى الضحايا واقاربهم من ان يؤدي المناخ السياسي الجديد الى عدم احقاق العدل.
وقال اسامة المغازي لوكالة فرانس برس “هناك موجة من تشويه صورة الثورة والشباب الذين قاموا بها”.
واضاف هذا الرجل الذي فقد يده خلال قمع الشرطة لتظاهرة في الاسكندرية (شمال) بالغازات المسيلة للدموع والرصاص الحي في 28 كانون الثاني/يناير 2011 “من المهم ان اشعر بانهم انصفوني”.
من جهته، صرح جمال عيد احد المحامين المدافعين عن حقوق الانسان ويمثل الضحايا انه لا يتوقع عقوبة قاسية ضد مبارك او قادة الشرطة الذين تمت تبرئة ستة منهم في المحاكمة الاولى. واضاف “لا اشعر بثقة نظرا للاحكام السابقة (…) الاحكام تسير في اتجاه المناخ السياسي”.