هل فكرتم ذات مرة أن السيارة قد تشكل سلاحا؟ سائق السيارة قادر على تنفيذ القتل. ليس عن طريق الخطأ، بل بالقتل العمد. نفذ إرهابيون إسلاميون عمليات القتل عدة مرات في السنة الماضية، ولكن كل ما حدث يكاد لا يُذكر مقارنة بما اقترفه محمد لحويّج بوهلال، على امتداد مسافة كيلومترين في متنزّه في نيس في 17 تموز.
ما زال الفرنسيون يتساءلون حول الدافع وراء ارتكاب المجزرة. “هل كان يدعم بوهلال الجهاد بشكل خفي، أم إنه قرر الانتحار من خلال التظاهر أنه شهيد؟”، كما سأل “لوموند”. يرى رئيس الحكومة الفرنسية، مانويل فالس، الإجابة واضحة: “لا شكّ أنه مرتبط بالإسلام المتطرف بطريقة أو بأخرى”، كما قال في التلفزيون الفرنسي. بخلاف باراك أوباما، فهو لا يرتدع عن تسمية الأشياء بمسمّياتها – إنه إرهاب يُقترف باسم الإسلام المتطرف.
كان ذلك قتلا مخطّطا له مسبقا. قبل ثلاثة أيام من ذلك، في 11 تموز، استأجر بوهلال شاحنة تبريد تزنُ 19 طنّا. “أنا أنقل البوظة”، قال بوهلال للحارس عند الحاجز، ولذلك سمح له بالمرور. حتى التوقيت، يوم الباستيل، لم يتم اختياره عشوائيًّا. هل ما زال هناك شكّ أنّها جريمة أخرى اقترفها الإسلاميون المتطرفون؟ وهل هناك شك أن مصدر الإلهام لتنفيذ هذه الجريمة، كان بشكل مماثل للكثير من العمليات الإرهابية، في الرقّة، هو مقر داعش؟
من الصعب في الواقع التنبّؤ بهجمات “الذئاب المنفردة”، والأصعب هو منع عملية مخطط لها، تنظمها مجموعة هي جزء من شبكة، ويمكن للأجهزة الأمنية الخبيرة وذات الكفاءة أن تتعقّبها. ولكن على أية حال، في الأحداث الجماعية مثل احتفال يوم الباستيل في فرنسا، يمكن أن نتوقع أنّ تكون الشرطة في حالة تأهّب قصوى. من غير الواضح إذا حدث ذلك.
كان ذلك الهجوم الإرهابي الكبير الثالث في فرنسا خلال 19 شهرا. بعد عملية هيئة تحرير “شارلي إيبدو”، في كانون الثاني 2015، أعلن الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، أنّها “عملية حربية” لداعش. ويُطرح السؤال، ماذا فعلت فرنسا في 19 شهرا التي مرت منذ ذلك الحين من أجل الانتصار في هذه الحرب، أو على الأقل من أجل حماية نفسها. ماذا يمكن أن تفعل فرنسا؟
رغم العمليات الإرهابية القاسية، وجد هولاند وقتا لعقد لقاء لوزراء الخارجية في باريس، من أجل تجنيد الدعم لمبادرته، والتي ستُعرض في الأمم المتحدة، وتهدف إلى إجبار إسرائيل على قبول نسخته لحلّ الدولتين. ربما يثق حقّا بمحمود عباس، الذي صرّح مؤخرًا في خطاب في البرلمان الأوروبي أنّ الإرهاب سيختفي فورا مع حل المشكلة الفلسطينية. ربما تجسدت مبادرته لحل المشكلة الفلسطينية في إجابته على هجمات داعش على فرنسا.
ومع ذلك، فالفكرة أنّ الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني هو جذور كل المشاكل في الشرق الأوسط، وهو رأي كان يدعمه باراك أوباما أيضًا، على الأقل خلال فترة معينة، تناقض تماما الواقع في المنطقة. إنّ الهجمة العالمية التي تشنها داعش ضد الغرب، وضدّ كل المسلمين الذين لا يشاركونها معتقداتها، هي دليل على ذلك يظهر كل يوم تقريبا.
من أجل الدفاع عن فرنسا خصوصا والعالم الغربي عموما، هناك حاجة إلى ملاحقة داعش في موطنها، في الرقة. إنها مصدر أوامر العمليات وإلهام “الذئاب المنفردة”. سيفضّل هولاند، بطبيعة الحال، أن يترك هذه المهمة إلى الأكراد والميليشيات الإيرانية، ومنحها دعما جويا من حين لآخر، ولا شكّ أنّه يحصل على تشجيع من نجاجاتهم المتواضعة مؤخرا. الحرب من خلال التحكّم عن بعد أفضل من المواجهة الحقيقية. ولكن القوات البرية فقط يمكنها الانتصار في الحروب، وفي هذه الحرب سيكون بالإمكان الانتصار فقط في الحرب البرية على أرض الرقة.
تم نشر هذا المقال لأول مرة في صحيفة هآرتس