كانت جميع المعطيات مضادّة لبن كارسون عندما وُلد عام 1951 لزوجين أسودين وفقيرين في مدينة ديترويت، وهي إحدى المدن الصناعية الأكثر تخلّفا في الولايات المتحدة. عندما كان في الثامنة من عمره تطلّق والداه، وتولت والدته تربّيته لوحدها.
تزوّجت والدة كارسون، التي لم تكن تعرف القراءة والكتابة، من والده عندما كانت في سنّ الثالثة عشرة فقط، ولكنها اكتشفت أن هناك لزوجها امرأة أخرى وأسرة أخرى. بعد الطلاق تولّت أمر ثلاث وظائف لتُوفر لكارسون وشقيقه الأكبر حياة رفاهية جيّدة.
يتحدث كارسون عن نفسه عندما كان ذا مزاج عنيف وقليل الصبر. عندما كان في الصفّ الثامن حاول طعن صديقه عندما تشاجر معه حول سماع الموسيقى في المذياع. بعد ذلك فقط بدأ بمحاولة السيطرة على مزاجه العنيف، ولا سيما، من خلال الاقتراب من الكتابات المسيحية المقدّسة.
وقد أجبرته والدته، على الرغم من كونها أمّية، هو وشقيقه على متابعة دراستهما وقراءة كتابين في الأسبوع. بعد أن أنهى المدرسة الثانوية بامتياز في برنامج خاص مموّل من الجيش الأمريكي، تم قبوله للالتحاق بدراسة علم النفس في جامعة ييل المرموقة، وبعد ذلك لدراسة الطبّ في جامعة ميشيغان. تخصّص في جراحة الرأس والدماغ.
كانت قصة الفتى الأسود والفقير الذي برز وأصبح طبيبا جرّاحا كافية لاعتبارها معجزة. ولكن كارسون لم يتوقف هنا، وأصبح خلال عدة سنوات أحد أفضل الأطباء الجرّاحين في العالم بأسره. لقد تحلى بموهبة غير عادية في إجراء العمليات الجراحية.
وفي عام 1987، حظي كارسون بالمجد الأبدي عندما أصبح أول جراح في التاريخ يستطيع فصل توأمي سيامي ولدا ملتصقين في الرأس. ترأس كارسون فريقا من 70 طبيبا عمل على مدى 22 ساعة متواصلة، ونجحوا في إنقاذ التوأمين.
وكما شهد في مناقشة الحزب الجمهوري التي أجريت هذا الأسبوع، لم يرَ كارسون نفسه أبدا مرشّحا لرئاسة الولايات المتحدة، ولكن جعلته عشرات آلاف التوجهات التي وصلته يُغيّر رأيه. في شهر أيار من هذا العام عاد كارسون إلى مسقط رأسه ديترويت، وأعلن عن تنافسه كمرشّح الحزب الجمهوري لرئاسة الولايات المتحدة.
بخلاف ترامب الصاخب وهناك من سيقول المتعجرف، فإنّ كارسون متواضع ويتحدث بهدوء ولطف
في البداية، بدا ترشّح كارسون للرئاسة كمحاولة يائسة لن تنجح. فبعد كل شيء، رغم كونه جرّاح دماغ كبير وعدم توليه منصبا عامّا أبدا، كانت تنقصه الخبرة المطلوبة. ولكن شيئا ما في كاريزما كارسون، وفي قصة حياته التي لا تُصدّق، يجذب المجيبين على الاستطلاعات. وفي هذا الأسبوع، للمرة الأولى، صعد كارسون إلى المركز الأول في الاستطلاعات، بحيث تجاوز ليس فقط المرشّحين الأكثر خبرة منه مثل السيناتور ماركو روبيو وحاكم إحدى الولايات الأسبق جيب بوش، وإنما أيضًا الملياردير المتغطرس دونالد ترامب الذي كان رائدا في الاستطلاعات على مدى الصيف كله.
وبخلاف ترامب الصاخب وهناك من سيقول المتعجرف، فإنّ كارسون متواضع ويتحدث بهدوء ولطف. ولكن من حيث المواقف، يُعتبر كارسون أحد المرشّحين الأكثر تطرّفا في صفوف حزبه. مؤخرا فقط قال كارسون إنه لن يوافق بأنّ يتولى شخص مسلم منصب رئيس الولايات المتحدة، وواجه بسبب ذلك انتقادات شديدة.
وهو معارض شديد لعملية إجهاض الحوامل، وقارن بينها وبين العبودية في الولايات المتحدة. ويعتقد بأنّ نظرية التطوّر هي من اختراع الشيطان. وهو معارض لتقييد الحقّ في حمل السلاح في الولايات المتحدة، بل وقال إنّه لو لم يكن هناك تقييد على حمل السلاح في ألمانيا النازية ربما لم يُذبح الملايين من اليهود. وقد كشف هذا التصريح في نظر كثيرين الكثير من الجهل التاريخي من قبل المرشّح.
وإذا كان هناك شخص مواقفه معاكسة تماما لمواقف بن كارسون، فإنّه رئيس الولايات المتحدة الحالي باراك أوباما. بحسب رأي كارسون، فإنّ أوباما هو اشتراكي خطير يدمّر الاقتصاد والمجتمع الأمريكي. وقد وصف كارسون أوباما بصفته “مختلّا عقليّا” و “كاذبا”، بالشكل الأكثر وضوحا.
ومن السابق لأوانه الآن أن نقرر إذا ما كان كارسون سيقترب من البيت الأبيض حقّا وسيصبح الرئيس الأمريكي الأسود الثاني. ولكن أيا كان الأمر، فسوف نسمع عنه المزيد.