إنها قصة رجلين، على الرغم من أنه من المعروف أنهما لم يلتقيا أبدا، فوجه الشبه بينهما أكبر من الاختلاف. حتى لو كانا قد التقيا، لا يبدو أنهما سيستطيعان التحدث معًا لأنّ أحدهما يتحدث الإنجليزية فقط والثاني لا يعرف سوى العربية. ولكن بشكل أساسي فاللغة التي يتحدثان بها هي نفس اللغة – لغة المسرح، المبالغة، الوطنية المطلقة والأنانية.
ويمكن اعتبارهما على أنهما بمثابة نكتتين، حيث أصبحا بشكل غير واضح وغير متوقع فجأة قضية جادّة جدا. حتى قبل عام، كان دونالد ترامب مليونيرا متغطرسا ومبهرجا فقط. وحتى قبل شهرين، كان توفيق عكاشة إعلاميا غير منضبط وصارخًا فقط وحتى هو نفسه لا يتعامل مع كلامه بجدّية.
والآن لم نعد نعتبرها نكتة. فبحسب جميع الاستطلاعات وبخلاف جميع التوقعات، ما زال ترامب المرشح الرائد للحزب الجمهوري لرئاسة الولايات المتحدة، ويقدّم عكاشة نفسه كمرشّح شرعي لرئاسة البرلمان المصري.
والفرق الأهم بين الرجلين، هو أن عكاشة يحاول أن يرسم حدودا بين الإعلامي عكاشة وبين النائب عكاشة. وقد اعترف مؤخرا أن الشخصية التي ظهرت على شاشات التلفزيون في قناة الفراعين قامت بذلك بهدف التأثير على الجمهور وتغيير وجهات نظره تجاه الأحداث الراهنة. إذا كان الأمر كذلك فربما يمكن أن نتوقع بأنّ الشخص الذي اتقدت النار في عينيه عندما تنبأ بجميع نبوءاته الكاذبة، على سبيل المثال، عندما تحدث عما سيحدث بتاريخ 13-13-2013 الوهمي، ليس هو نفس الشخص الذي سيكون رئيسا للبرلمان.
https://www.youtube.com/watch?v=QD-w0hnyxO0
وبخصوص ترامب؟ هل يمكن لأحد ما أن يفكر بمرشح جادّ لرئاسة الولايات المتحدة يصرّح بطريقة شديدة جدا وخطيرة ضدّ شريحة سكانية كاملة من ملايين المسلمين في بلاده؟ وبخلاف عكاشة يبدو وكأن ترامب غير قادر حتى على التلميح إلى تغيير متوقع في تصرفاته. على العكس، كلما تقدّم السباق الرئاسي ازداد حبّ ترامب لنفسه أكثر فأكثر.
كيف يحدث هذا الأمر؟ كيف انزلقت السياسة من أيدي الزعماء الجادّين، المعتدلين والمتعلّمين لتصل إلى أيدي المبالغين والصارخين؟ دائما وأبدا، كانت المقولة التي بحسبها فإنّ الشيء الأهم في السياسة هو أن تصرخ بصوت أعلى من صوت الجميع، كي تُسمِع صوتك. ولكن الآن، أصبح الصراخ ليس مجرّد وسيلة لإسماع الرأي، وإنما هو الأساس.
لا يمكننا أن ندعي إزاء أشخاص مثل ترامب وعكاشة بأنّ الجموع تسير خلفهما انطلاقا من الاعتقاد بأنهما أفضل زعيمين. تعود الملامة إلى الشعب والإعلام، الذين تركوا الكوميديا والتهريج يدفعان الجدّية والوقار جانبا، والذين ينغرون تاركين مسألة الاهتمام بأمورهم بين أيدي المغرورين والمنافقين أكثر بدلا من أن يختاروا الأشخاص الأكثر ملاءمة.