يجري الحديث عن أجمل الأوقات في تل أبيب. يوم الجمعة بعد الظهر، تهدأ المدينة من الأسبوع الماضي، وتصبح المقاهي مليئة ومزدحمة، يحتسي الشباب في الحانات العصرية في المدينة الجعة بهدوء ويتحدثون عما مروا به خلال الأسبوع، ويخططون لأوقات الترفيه في المساء القادم. في هذه المدينة العالمية يجلس معا العرب من يافا، مع اليهود الذين جاءوا للتوّ إلى المدينة الكبيرة، ومنهم المثليون مع الغيريين، البيض، السود، الشرقيون، الشباب والفتيات إلى جانب كبار السنّ.
ولكن في يوم الجمعة الماضي أصبح هذا الوقت الجميل الوقت الأكثر فظاعة. وقد انفجرت الفقاعة المثالية في أوجه سكان تل أبيب، كما لو كانت تقول لهم – لا تنسوا، أنتم أيضا جزء من الشرق الأوسط المشتعل. كان التوقيت والمكان كما لو أنهما مأخوذان من كليشيه: الانتقادات المتكررة في إسرائيل حول التل أبيبين أنهم “منقطعون”، “يجلسون في المقاهي والحانات ويشربون الأسبرسو” وينتقدون سياسات الحكومة، في الوقت الذي يضطرون فيه في بقية إسرائيل إلى مواجهة الإرهاب، العنف، والخطر الذي يهدد الحياة. استيقظت المدينة التي تحلم أن تكون نيويورك دفعةً واحدةً، قريبا أكثر من أيّ وقت مضى من القدس.
منذ موجة العمليات في الانتفاضة الثانية لم تعرف المدينة صدمة كبيرة بهذا الحجم. يبدو أن موجة العمليات الحالية، التي ضربت القدس والضفة الغربية بشكل أساسيّ، قد مرّت تحت الرادار التل أبيبي، وشعرت بالاعتدال نسبيا. لم يتوقع أحد بأنه سينضم إلى “انتفاضة السكاكين” السلاح الناري، وأن يحدث ذلك تحديدا في تل أبيب.
للأسف الشديد، كانت لذلك تأثيرات قاسية. بخلاف معظم العمليات التي حدثت حتى الآن، والتي حيّدت فيها القوى الأمنية أو المارة المسلحين مرتكب العملية، لم يكن في تل أبيب أي شخص مسلّح حاضر في تلك اللحظة، أو أحد ما قد توقع حدوث حدث كهذا، أو كان بإمكانه التعامل معه. في حين أنّ السكان اليهود في القدس والضفة الغربية يعيشون بترقّب يومي، ويحمل الكثير منهم السلاح، فإنّ معظم السكان في تل أبيب يعتقدون أن التجوّل وبحوزتهم سلاح هو أمر جنوني. هكذا على الأقل كان حتى يوم الجمعة.
لقد كانت نهاية الأسبوع قاسية بشكل خاصّ بالنسبة لكل المدينة. وذلك عندما أصبح شارع ديزينغوف، الشارع المألوف والأكثر صخبا مهجورا، معطّلا ولم يكن فيه سوى مضيئي الشموع العشوائيين الذين كانوا يتوقفون للحظة لتكريم ذكرى من قُتلوا في العملية، رغم خوفهم لأن منفّذ العملية لم يتم الإمساك به بعد ورغم البرد القارس، وغير العادي، الذي خيم على المدينة. والآن يبدأ سكان المدينة بالعودة إلى الواقع، وهو ليس واقعا يحبّونه.
وقد خشي الكثير من الأهالي بسبب الخوف من منفّذ العملية الذي ما زال يتجوّل حرّا، من إرسال أطفالهم إلى المدارس. فوصل أقل من 50% من تلاميذ شمال المدينة إلى المدارس، ونحو 70% وصلوا إلى وسطها. استيقظ السكان التل أبيبيون صباح اليوم ليوم مليء بالرعب، المعرفة، وبشكل أساسي، الارتباط القوي والقاسي جدا، بالواقع الإسرائيلي والشرق أوسطي العنيف الذي نعيش فيه.