ينضم مُحمد الزواري، مهندس الطيران الذي أردي قتيلاً يوم الخميس الماضي في تونس، إلى قائمة طويلة من القتلى الذين قضوا في عمليات اغتيال في الشرق الأوسط نتيجة لنشاطاتهم الإرهابية، والذين تم اتهام إسرائيل باغتيالهم. اعترف الجناح العسكري لحركة حماس، يوم السبت بعد الظهر وبتأخير ما، أن الزواري كان عضوًا في الجناح العسكري وقائدا لتطوير الطائرات دون طيّار التابعة للحركة.
سبقت عملية الاغتيال هذه في تونس، في العقد الأخير فقط، عملية اغتيال عماد مغنية، قائد العمليات في حزب الله، والذي قُتل في دمشق، واغتيال حسان اللقيس، قائد جهاز التكنولوجيا في حزب الله والذي قُتل في بيروت، واغتيال محمود المبحوح في دبي، وهو من قادة تهريب السلاح في حركة حماس. قُتل قبل عام أيضًا سمير القنطار، المخرب الدرزي الذي عمل ضمن صفوف حزب الله، بعد إطلاق سراحه ضمن صفقة تبادل أسرى من السجون الإسرائيلية، في غارة جوية داخل سوريا. اتهمت تلك التنظيمات إسرائيل بالقيام بعمليات الاغتيال – وحافظت إسرائيل في كل تلك الحوادث على غموض ما، ممتنعة عن الإجابة بشكل واضح حول إذا كانت المسؤولة عن تلك الاغتيالات، ولكنها صرّحت دائمًا أنها تحتفظ بحقها في محاربة الإرهاب خارج حدودها أيضًا.
توضح السياسة الإسرائيلية المُعلنة، ما عدا في حالات استثنائية (مثلما عملت بشكل ممنهج على اغتيال المسؤولين عن قتلة الرياضيين الإسرائيليين في أولمبياد ميونخ)، أن استهداف الإرهابيين يهدف إلى منع وقوع عمليات إرهابية مستقبلاً وليس لتصفية حسابات نتيجة أعمال حدثت سابقًا. كان الزواري المواطن التونسي، وفقًا لتصريحات حماس، ناشطًا في الجناح العسكري للحركة خلال العقد الأخير.
فيبدو أن ذلك جاء بناء على أيديولوجية الزواري (كان عضوا في جماعة محلية متفرعة عن حركة الإخوان المُسلمين، الحركة الأم لحركة حماس) وخبرته بتشغيل الطائرات دون طيّار. يبدو أن الزواري كانت تجمعه علاقة بحزب الله أيضًا. تقول بعض التقارير إنه سبق أن عمل في دمشق، حيث كانت فيها مكاتب حماس حتى عام 2012 وأنه مكث في لبنان مؤخرًا. تقول وسائل الإعلام العربية إنه دخل إلى غزة أيضًا بضع مرات عبر الأنفاق من سيناء، من أجل تدريب أعضاء الجناح العسكري في حركة حماس.
يعمل الجناحان العسكريان للتنظيمان الفلسطينيان في غزة، حماس والجهاد الإسلامي، على تطوير فرع الطائرات دون طيّار. قُتل قبل أكثر من عشر سنوات نُشطاء من حركة الجهاد في غزة إثر انفجار حدث عندما حاولوا فتح رزمة بريدية تحتوي على طائرة دون طيار كانوا قد طلبوها من خارج البلاد. تستخدم حركة حماس في السنوات الأخيرة الطائرات دون طيار لمراقبة نشاط الجيش الإسرائيلي في محيط غزة. في تموز 2014 خلال عملية الجرف الصامد”، أسقِطت طائرة دون طيار، دخلت من غزة إلى منطقة قريبة من أشدود، بواسطة صواريخ الباتريوت التابعة للدفاع الجوي الإسرائيلي. دخلت أيضًا، بعد سنة من ذلك، في حزيران 2015، طائرة دون طيّار من غزة إلى سماء إسرائيل وسقطت في منطقة مفتوحة قبل حتى أن يتمكن سلاح الجو من إسقاطها.
يمكن أيضًا الافتراض أن حماس تُخطط لاستخدام “طائرات دون طيار انتحارية”، حيث يتم تفجير المواد المتفجرة التي تحملها الطائرات فوق أهداف العدو. يستخدم حزب الله، الذي يتشارك وحركة حماس بعض تقنياته الحربية، طائرات دون طيّار إيرانية الصنع، من مجموعة “أبابيل”، والتي كانت إسرائيل قد أسقطت اثنتين منها في حرب لبنان الثانية. يحمل بعض تلك الطائرات دون طيّار مواد متفجرة.
تبحث حركة حماس طوال الوقت عن طُرق لتتفوق على الجيش الإسرائيلي في أية معركة قادمة في القطاع. فهي تُحضّر في هذا السياق مجموعة من الوسائل الهجومية التي من شأنها أن تنقل المعارك إلى داخل الأراضي الإسرائيلية، بينما يقوم الجيش الإسرائيلي بعملياته داخل غزة. تنوي حماس، إلى جانب الأنفاق، الاستعانة بغواصين كوماندوز بحري، كما سبق أن فعلت عند شاطئ “زيكيم” في بداية عملية “الجرف الصامد”، واستخدام طائرات دون طيّار ومظليين يستعينون بالطائرات الشراعية.
لن تقود بالضرورة هذه الحادثة إلى حرب جديدة على الحدود بين إسرائيل وغزة على الرغم من التصريح الأولي لحركة حماس أن الزواري كان من أعضاء الحركة وأن إسرائيل هي المسؤولة عن اغتياله. فقد امتنعت حماس في الماضي أيضًا في حالات مُشابهة، مثل عملية اغتيال المبحوح، من الرد مُباشرة عند الحدود.
يتعلق القرار بمهاجمة الأراضي الإسرائيلية ثانية باعتبارات كثيرة، كتعيين قائد جديد للجناح السياسي لحماس بدل خالد مشعل، الذي أعلن عن استقالته، الخلافات بين الجناح السياسي والجناح العسكري، والظروف الحياتية الصعبة في القطاع. يبدو حاليًا أن الاعتبار الرئيسي الذي يمنع حماس من القيام بأية عملية يتعلق بالثمن الباهظ الذي دفعته غزة في الحرب الأخيرة على غزة عام 2014، وأيضًا بالشعور أن مصر، التي عززت التعاون الأمني مع إسرائيل، لا تنوي تقديم أي دعم للحركة.
يجب على إسرائيل، في هذه الظروف، أن تستعد جدًا لاحتمال عملية انتقام مفاجئة، ولكن ليس من المتوقع أن تُقرر الحركة فتح معركة جديدة فقط بسبب مقتل مواطن تونسي بعيد عن القطاع، مهما كانت أهميته لبرنامج حماس الخاص بالطائرات دون طيّار.
نُشر هذا المقال للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس“