كلّ عام، في السنوات العشر الأخيرة، يقود رائد صلاح، زعيم الشقّ الشمالي من الحركة الإسلامية، تظاهرات في أمّ الفحم تحت شعار “الأقصى في خطر”.
وطالما كانت هذه التظاهُرات مركزًا للتحريض على دولة إسرائيل، إذ يجري اتهامها فيها بالتخطيط لهدم المسجد الأقصى. في البداية، كان عدد المشاركين يبلغ المئات، ثمّ أصبح آلافًا، قبل أن يبلغ في السنوات الأخيرة عشرات الآلاف. ببُطء، ولكن بثبات، نجح صلاح في إيصال الرسالة، التي تردّد صداها في قلوب المسلمين في أرجاء العالم: المسجد الأقصى، أحد أهم مقدّسات المسلمين، هو في خطر.
سُرعان ما انتشرت هذه الرسالة الكاذبة في أرجاء العالم الإسلامي، حيث تثير السخط في عواصم عربية، وتُشعل نيرانًا يصعب إطفاؤها. الادّعاء أنّ إسرائيل تغيّر الوضع القائم في الحرم القدسي – ادّعاء يهدف إلى منع اليهود من الصلاة في المكان تمهيدًا لتغيير الوضع القائم – ليس إلّا ثانويًّا بالنسبة للاتهام الرئيسي الذي يوجّهه صلاح إلى إسرائيل: محاولة هدم المسجد الأقصى. وهذا هو الاتّهام الذي أشعل الحوادث الأليمة في القدس والاحتجاجات في أنحاء العالم. لقد نجح رائد صلاح.
لمَ يُسمَح للشقّ الشمالي من الحركة الإسلامية أن يزدهر ويتفشى في المجتمع الإسلامي في إسرائيل؟ لمَ سُمح لصلاح خلال سنوات أن ينفّذ مؤامرته الحقيرة؟ لمَ مُنحَ هذا الانتصارَ؟
اتهمت لجنة أور – التي حقّقت في أسباب أعمال الشغب التي ثارت في تشرين الأول 2000، وأودت بحياة 12 عربيًّا ويهوديّ واحد – صلاح بالمساهمة في اندلاعها بشكلٍ ملحوظ. فقد ذكرت اللجنة في تقريرها أنه ثبت أنّ صلاح “كان مسؤولًا، في الفترة التي سبقت أحداث تشرين الأول 2000… عن إيصال رسائل متكررة تشجّع على استخدام العنف والتهديد بالعنف كوسيلة لتحقيق أهداف الوسط العربي… فقد عقد اجتماعات جماهيرية، واستخدم وسائل دعائية مُثيرة لإثارة جوّ عامّ مُلتهِب حول هذا الموضوع الحسّاس… كان مسؤولًا عن إيصال فكرة وجود مجزرة مخطَّط لها، حسب زعمه، في المسجد الأقصى يوم 29 تشرين الأول 2000. وهكذا ساهم فعليًّا في تهييج الجوّ واندلاع العُنف الواسع النطاق الذي حدث في الوسط العربي في شهر تشرين الأول 2000”.
لم يُبالِ أحد بهذه الاستنتاجات. فقد مرّ 12 عامًا، ولا يزال الشقّ الشمالي من الحركة الإسلامية، بقيادة صلاح، يزيد تأثيره في المجتمعات الإسلامية في إسرائيل، بما فيها البلدات البدوية في النقب. هذا الشقّ هو النسخة الإسرائيلية من حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، فرع الإخوان المسلمين الذين حُظروا في مصر. هذه حركة هدّامة ومُحرّضة، تهدف إلى إبادة إسرائيل. وقد نجحت في الأسابيع الماضية في إثارة اضطرابات وسفك دماء في القدس على مدى لم يسبق له مثيل. فلمَ لم يجرِ حظر هذه الحركة حتى الآن؟
لم تنجح كثيرًا حتّى الآن مساعي الحكومة في وضع حدّ للعنف، الذي يشكّل خطرًا يوميًّا على حياة الناس. وهي تحاول الآن وضع حدّ للعنف في القدس بوسائل بعيدة المدى، بما فيها تغيير قواعد إطلاق النار ضدّ المتظاهرين وتشديد العقوبات. لكن يبدو أنها تتجاهل جذر المشكلة وسببها – الشقّ الشمالي من الحركة الإسلامية وزعيمه. ممنوع أن يستمرّ وجود هذه الحركة في مجتمَع ملتزِم بسلطة القانون ويحترم حياة الإنسان. فيجب حظرها. حتّى الآن، تمتنع الحكومة عن القيام بهذه الخطوة الإلزامية لوقف التصعيد المتزايد يومًا بعد يوم. لكنّ الديمقراطية يجب أن تعرف كيف تحمي نفسها إذا كانت تريد البقاء.
نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس”