طفلة ترتدي معطفا وتنتعل حذاء أحمر ممدّدة على الشارع. يبدو رأسها ملتو بزاوية غريبة وعيناها مفتوحتين لامعتين. وهناك امرأة شابة تضع حجابا ممدّدة على جانب الطريق، لا تزال تمسك بيدها بالحقيبة المتواضعة التي وضعت فيها أغراضا قليلة كانت قد نجحت في جمعها قبل أن تفرّ من القصف. وكذلك مشهد صبي يجلس منحنيًا، وجهه مكفهرّ من اليأس، فوق جثّتين مغطاتين، حيث تظهر بينهما جثة صغيرة، تنتعل حذاء أحمر وترتدي بنطال جينس غير مغطى بالبطانية البنية التي تغطيها. ومشهد حقائب وأكياس موزّعة في أرجاء الشارع المحطّم، وسط ما يبدو أنّه أشلاء جسد، وجثث كاملة إلى حد معين. صورة رجل بالغ ذو لحية يركض في الشارع. يمسك في إحدى يديه طفلا وفي الثانية يبدو أنه يحمل كيس ملابس، وهناك رغبة في تلك اللحظة في الصراخ إليه ليلقي الكيس ويركّز على الوصوصل إلى برّ الأمان.
هناك أيام لا تُحتمل فيها الأخبار الواردة من سوريا تقريبا. تركّزت الفظائع اليوم حول قصف لقوات الأسد على مجموعة من المواطنين الذين حاولوا الهرب من شرق حلب المحاصَرة. قُتل ما لا يقل عن 45 شخصا وجُرح 50، وفقا لتقارير عمّال الإغاثة في حلب. لم تُعرض معظم تلك الصور في موقع “هآرتس”، حفاظا على كرامة الميت، تجنبا للمس بمشاعر القراء، وأيضا لأنّه في نهاية المطاف يدور الحديث عن إباحية الموت في وسيلة تجارية. ولكن الصور متوفرة في مواقع التواصل الاجتماعي ويمكن لكل من يتابع ويهتم بما يحدث في سوريا أن يراها. ربما أكثر ما يثير إحباطا هو أننا نعلم أنه حتى لو نُشر تقرير آخر عن المجزرة، فلن يقرأه أحد تقريبا.. ولن يهتم أحد تقريبا. بعد نحو ستّ سنوات من الحرب، من يهتم بقراءة مقال آخر يتحدث عن مقتل 50 شخصا آخر في سوريا.
Feel the pain
My mom died here my sister also, another sister we don’t know where she is
My wife is the best she’s gone now #ALeppo today pic.twitter.com/v3xgdIqlrU— Ahmad Alkhatib (@AhmadAlkhtiib) November 30, 2016
يمر يوم آخر، وتحدث مجزرة أخرى، تؤدي إلى المزيد من الأطفال القتلى. المتّهمون الفوريون معروفون: الأسد، بوتين، وحزب الله. وهم المسؤولون ذوو أيدي على الزناد. “كي ينتصر الشر، يكفي ألا يفعل الجيّدون شيئا”، كما كتب الفيلسوف إدموند بيرك في القرن الثامن عشر. ولا يزال الأشخاص الجيّدون مكتوفي الأيدي. لن تساعد كل الحجج العقلانية بخصوص محدودية القوة والسياسة الدولية. مشهد الطفلة وهي ترتدي معطف المطر الأحمر الممدّدة على الشارع هو ميراث أوباما الحقيقي. وهذا الميراث هو ميراث العجز. ولكن أوباما، الذي اهتم بالصراع ضدّ داعش فحسب وأدار ظهره للمدنيين الذين يُذبحون من قبل الأسد، ليس المذنب الوحيد. أيدي المسؤولين في المجتمع الدولي كله ملطخة بدماء سكان حلب. حتى بعد الإبادة الجماعية في رواندا، مذبحة سربرينيتشا، ومجزرة كوسوفو، لم يتم تعلّم شيء ولم يتغيّر شيء، لذلك لم يعد السؤال كيف يمكن للعالم أن يقف جانبا لغزا.
نشرت المقالة للمرة الأولى في موقع صحيفة “هآرتس“