بداية، نتطرق إلى معطيات مفاجئة – بدأت نسبة النساء الفلسطينيات اللواتي انخرطن في العمل بالازدياد بعد حرب1967. فوفق تقرير الأمم المتحدة من الثمانينات، فإن نسبة النساء الفلسطينيات العاملات ازدادت بثلاثة أضعاف بين عامي 1967 و1980، فكانت نسبتهن 8.4% ووصلت إلى -24.8%. إن مشاركة المرأة الفلسطينية في سوق العمل وأطر تربوية أخرى ساهمت في مشاركة النساء الفلسطينيات في نشاطات جماهيرية أخرى، خارج إطار العائلة. ولكن ما زالت المرأة الفلسطينية تعاني تمييزا عائليا، اجتماعيا، ومؤسسيا فلسطينيا.
لذلك، وفي هذا الواقع المأساوي أحيانا تنفيذ عملية هو الطريق الوحيد أمام المرأة الفلسطينية للتخلص من القمع الذي تعاني منه، واكتساب الاحترام والتقدير في الرأي العام الفلسطيني. ولكن، لا يمهد موت المرأة في عملية، الطريق أمام النساء الفلسطينيات للحصول على حقوقهن الكاملة في مجتمعهن.
العمليات ملجأ من قمع السلطة الذكورية
إن متابعة مُشاركة النساء الفلسطينيات في تنفيذ العمليات، تكشف أن النساء بدأن يشقن طريقهن نحو القيادة العامة المركزية لشعبهن فقط بعد أن ضحين بأنفسهن من اجل الكفاح المسلح.
“الرجال الفلسطينيين يقولون بعد كل عملية تنفّذها امرأة إنها حادثة وليست عملية، لأن ذلك يوضح عجزهم أمام النساء الشابات”
ففي عام 2002، نفذت امرأة عملية للمرة الأولى في الانتفاضة الثانية. بعد ذلك، نفذت نساء أخريات عمليات. لقيت العمليات التي نفذتها النساء بتغطية إعلامية واسعة، وحظين بتوجيه وتشجيع لتنفيذ عمليات من حركة فتح و”التنظيم”.
ولكن تغيّرت الصورة في موجة العمليات الأخيرة. فإن النساء الفلسطينيات اللواتي نفذن العمليات في السنتَين الماضيتَين، لم يتلقين تدريبا من منظمات باتت اليوم منظمات ممأسسة مثل فتح، ولم يطلبن موافقة مسبقة لتنفيذها. لا تنفذ هؤلاء النساء عمليات باسم المؤسسة الذكورية التي تخلت عنهن وأدت إلى إقصائهن. ففي السنتَين الماضيتَين، شاركت نساء فلسطينيات في تنفيذ عمليات بشكل فعلي مثل إلقاء الحجارة وعمليات الطعن، خلافا لرغبة الرجال.
من الجدير بالذكر أن التقارير في وسائل الإعلام الفلسطينية حول تنفيذ العمليات لنساء، تتطرق إلى العملية كحادثة، وليس كتنفيذ عملية. تشير الباحثة دكتور رونيت مارزن إلى أن “الرجال الفلسطينيين يقولون بعد كل عملية تنفّذها امرأة إنها حادثة وليست عملية، لأن ذلك يوضح عجزهم أمام النساء الشابات”.
النضال الوطني يفشل النضال النسائي
أثار التوقيع على اتّفاق أوسلو وإقامة السلطة الفلسطينية أملا بين النساء الفلسطينيات لحدوث تغيير في مكانتهن الاجتماعية، ومشاركتهن في تصميم الدولة الفلسطينية المستقبلية. ولكن اتضح أن الإنجاز الوطني الكبير بات يشكل فشلا للنساء اللواتي كنّ يأملن في تغيير مكانتهن. لم تُحدِث السلطة الفلسطينية تغييرا ملحوظا، وظلت النساء مرتبطات بعائلاتهن وانتمائها السياسي.
ما زالت تعاني النساء الفلسطينيات من عدم المساواة، حيث %80 من حالات الانتحار لأسباب شخصية في المجتمَع الفلسطيني يعود إلى النساء
وفي ظل عمل مضن لناشطات فلسطينيات من حركة فتح والجبهة الشعبية، سُمِح للنساء في عام 1996 بالترشح للانتخابات لهيئات في السلطة، ولاحقا خُصص لهن %20 من المقاعد في المجلس التشريعي والمجالس البلدية.
ولكن ما زالت تعاني النساء الفلسطينيات من عدم المساواة مقارنة بالرجال تحت السلطة الفلسطينية. فنحو 36.5% من النساء عاطلات عن العمل، في حين أن نسبة الرجال العاطلين عن العمل هي %18. ويمكن خلال إلقاء لمحة سريعة على قائمة أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني رؤية أن النساء يشكلن %24 فقط منها، في حين أن نسبتهن في المجتمع أعلى بضعفين.
كذلك على المستوى الشخصي، فإن مكانة المرأة المنخفضة في المجتمَع الفلسطيني تؤدي في أحيان كثيرة إلى اليأس وحتى إلى الانتحار. فإن %80 من حالات الانتحار لأسباب شخصية في المجتمَع الفلسطيني يعود إلى النساء.
فإن كلمة “شرف” هي وحدها كافية للحكم على المرأة الفلسطينية. قد تخسر المرأة الفلسطينية نفسها بسهولة، وتجلب العار على عائلتها، وقد يحدث ذلك في أحيان كثيرة لأسباب ليست ذات صلة بها. ولكن ليست لديها طرق أخرى لاكتساب احترامها ثانية. فحين تنفذ الفلسطينية عملية، تكون خطوتها بمثابة مسار هروب من نضالها من أجل مكانتها، إلى النزاع مع الجهات الخارجية.
إن مشاركة النساء في النضال الوطني لم تحسن مكانتهن العامة في المجتمَع الفلسطيني كثيرا. فما زالت النساء تتحمل عبء العادات والتقاليد التي تحتجزهن في المجال الشخصي، في حين أن معظم الرجال يسيطرون في المجال العام.