تحظى التقارير عن الروح التي تعاملت بها إسرائيل وعن تصريحاتها، وخطواتها، تجاه سوريا، بانتشار واسع في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي السورية. ليس السبب الوحيد لذلك هو ما جاء في تلك التقارير، بل من بادر إليها – إسرائيل: قدمت إسرائيل علاجا طبيا إسرائيل للسوريين الذي يصلون إلى الحدود الإسرائيلية، بينما رفض الأردن مساعدتهم؛ هاجم الدبلوماسي الإسرائيلي نزار عامر جرائم نظام الأسد من على منصة الهيئة العامة للأمم المتحدة، بينما صوّت السفير المصري في الأمم المتحدة لصالح القرار الروسي بالسماح باستمرار الغارات على حلب.
قد تكون هذه فرصة تاريخية لتحقيق السلام الاجتماعي والثقافي بين الإسرائيليين وبين السوريين الذين يُعانون ويُقتلون من قبل نظام الأسد، حزب الله والميليشيات التابعة للنظام الإيراني. قتلت هذه الجهات سوريين أكثر مما قتلتهم داعش.
استخدم عامر في خطابه مثلاً عربيًا: “اللي استحوا ماتوا”، وقصد بذلك أن النظام السوري يكذب دون خجل. يأتي مصدر ذلك المثل الشعبي من قصة حمام عام اشتعلت فيه النيران. فهرب مُعظم من كان فيه وهم عراة، ولكن الذين خجلوا أن يخرجوا عراة ماتوا احتراقًا. وقد اتضح غش النظام السوري، الذي استغل الصراع العربي الإسرائيلي واستفاد منه أكثر ما يمكن، في آذار 2011، مع بداية الأحداث في سوريا. بدأ يكتشف حينها السوريون حقيقة ذلك النظام، ويقارنون ما يحدث في سوريا بما يحدث في إسرائيل – ذلك “الوحش المُجرم المُقرف الذي يريد قتل كل السوريين”، وفقًا لوصف نظام الأسد.
كيف يُمكن لنظام الأسد أن يدّعي أنه الأمين على حقوق الفلسطينيين بينما يقوم بقتل أبناء شعبه؟ تعجب السوريون، كيف يُمكن لنظام الأسد الادّعاء أنه أمين على حقوق الأسرى الفلسطينيين بينما يحتجز أشخاصًا في سجونه بظروف إنسانية صعبة جدًا، تحت الأرض، وفقً تصريحات الكثيرين، ويُعذبهم، يجوعهم حتى الموت ويقتلهم، كيف حدث أن مات الآلاف في السجون السورية، بينما السجناء في إسرائيل لديهم تلفزيونات في زنازينهم، ويمكنهم أن يتعلموا ويحصلوا على لقب أكاديمي، كيف يُعقل والسجون الإسرائيلية تخضع لرقابة منظمات حقوق الإنسان، بينما يرفض النظام السوري حتى الاعتراف بوجود أقبية التحقيق والتعذيب، كيف يعقل أنه بينما يدعي الأسد ومن حالفه، حزب الله وإيران، أنهم يريدون رمي الإسرائيليين في البحر وفعليًا يرتكبون المجازر ضد السوريين، بما في ذلك الأطفال والنساء.
ظل هذا الصراع مصدر الحياة للنظام السوري لعشرات السنين. يحظى الجيش السوري بنحو 70% من ميزانية الدولة، بينما عاش المواطنون في حالة فقر. كان النظام يُبرر ذلك موضحا أن الدولة بحاجة إلى الجيش وإلى أن تستثمر فيه موارد كثيرة، بقدر الإمكان، لضمان أن يكون مُستعدًا وجاهزًا لتحرير فلسطين. هذا ما تفعله مُعظم الدكتاتوريات – تزرع الخوف في نفوس مواطنيها من الخطر الخارجي، وتحاول أن تُظهر أن الفقر وكبح الحريات هو أمر ضروري ولا مفر منه.
https://www.facebook.com/the.droz/videos/1524717134212160/
فطبعا، كانت إسرائيل الخطر الخارجي الذي لوّح به النظام في سوريا. تمثل ذلك الأمر في كل تفصيل صغير في حياة السوريين، بدءًا من الكتب التعليمية للأطفال من الصف الأول، جيل ست سنوات، وحتى ما يُدرّس في الجامعات. سيطرت الرواية القائلة إن إسرائيل هي العدو الرئيسي للسوريين وكل الدولة. أحيانًا كان يُذكر اسم “اليهود” أيضًا. أجّجت هذه التعابير الكراهية وأثارت اتهامات واهية ضد إسرائيل ما زاد من حجم الصراع.
كانت تهمة “التخابر مع إسرائيل” أكثر التهم انتشارًا في سوريا في العقود الخمسة الأخيرة. سادت هذه التهمة أكثر من أية جريمة أخرى. كان يُتهم الجميع بهذه التهمة: مثلا، من الخصوم السياسيين وصولاً إلى أصحاب المتاجر، الذين رفضوا أن يبيعوا سلعة ما بثمن رخيص لابن ضابط مسؤول. تم استغلال هذه التهمة الرخيصة لأهداف مُختلفة ومنها قمع حرية التعبير عن الرأي وحرمان المواطنين من حريات أساسية أُخرى. كانت واحدة من نظريات المؤامرة التي روّج لها النظام السوري عام 2011، أن إسرائيل تدفع للمواطنين السوريين بهدف الخروج إلى الشوارع والتظاهر ضد الدولة التي تدافع عن الفلسطينيين.
استمرت وسائل الإعلام الحكومية السورية بترويج ادعاءات المؤامرة هذه مؤخرًا أيضًا حتى أنها روّجت لنظريات تقول إن إسرائيل تدعم داعش وجبهة النُصرة بهدف زعزعة نظام الأسد، “المدافع الأول عن حقوق الفلسطينيين”.
طرحت تلك الأجواء التساؤلات وفتحت أعين السوريين على رؤية الأسطورة الكاذبة التي رواها النظام بخصوص إسرائيل، بهدف قمعهم. ساهم انتشار مواقع التواصل الاجتماعي برفع الوعي. قد تكون تلك اليقظة أول خطوة لكسر الحظر الذي فرضه الأسد على أبناء شعبه والذي كان يقضي حتى بمنع ذكر اسم إسرائيل ومن شأنها أيضًا التخفيف من حدة الصراع الذي فرضه النظام السوري تحديدًا على السوريين لسنوات طويلة. قد تكون هذه فرصة تاريخية لتحقيق السلام الاجتماعي والثقافي بين الإسرائيليين وبين السوريين الذين يُعانون ويُقتلون من قبل نظام الأسد، حزب الله والميليشيات التابعة للنظام الإيراني. قتلت هذه الجهات سوريين أكثر مما قتلتهم داعش. حلب هي مثال صارخ على المذابح الوحشية التي تحدث على مرأى من العالم.
وقد تذهب تلك الفرصة سدىً إن لم تدعمها إسرائيل نظريًا وعمليًا. أمام إسرائيل الآن فرصة لا مثيل لها للعمل على إيقاف تلك المجازر من قبل نظام الأسد ضد الأبرياء. هكذا يُمكن أن تغيّر إسرائيل التاريخ: ستكون هذه خطوة باتجاه حل الصراع مع الشعب السوري، الذي تم تضليله من قبل عائلة الأسد لسنوات عديدة.
قال الحاخام يتسحاك يوسف، خلال لقاء مع رجال دين فلسطينيين، إن ما يحدث في سوريا “هولوكوست صغير”. تُشير مثل هذه التصريحات إلى قيم مشتركة ومصير مُشترك بين الشعب السوري والإسرائيلي. تُعتبر مأساة حلب مرحلة هامة جدًا في الحرب الأهلية السورية ومن توقعات الشعب السوري من التحرك الإنساني من قبل المجتمع الدولي. ليست هناك لحظة مناسبة أكثر في تاريخ الصراع السوري الإسرائيلي لتغيير الطريقة التي يتربى عليها أولادنا وأولاد الطرفين.
كاتب المقال هو صحفي سوري
نُشر هذا المقال للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس“