أمامنا شرق أوسط جديد، ولكن ليس من النوع الذي تنبأ به شمعون بيريس قبل سنوات. لا علاقة بين الشرق الأوسط الجديد وبين الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. حتى لو تم تخيّل وضع يتم فيه تلبية كل طلبات محمود عباس، فلا يزال شرق أوسط وحشي، حيث يحاول ملايين البشر مغادرته، حتى من خلال المخاطرة بحياتهم.
وهم لا يغادرون بيوتهم وأراضيهم فقط، وإنما انتماءاتهم الوطنية أيضًا. ليست هناك أهمية للأيديولوجيات في نظرهم، على ضوء الخطر الذي يتهدّد حياتهم. هناك رغبة مشتركة لدى الجميع في النجاة. يبحث بعضهم عن حياة أفضل، بعيدا عن دولهم المدمّرة.
إنهم يتركون خلفهم شرق أوسط مدمّر بسبب التعصّب الديني ومن قبل الديكتاتور السوري، والذي لا يوفر أية وسيلة من أجل البقاء ولا يهتم بالثمن المدفوع من حياة البشر. “لم تبقَ لنا دولة”، كما قال جبريل محمود، وهو لاجئ من حلب، لمراسل صحيفة “واشنطن بوست” في هنغاريا، “الآن نحن ننتظر جوازات سفر كي نستطيع الذهاب إلى مكان ما فقط”.
الدول المصطنعة التي أقيمت من قبل القوات العظمى بعد الحرب العالمية الأولى آخذة في الاختفاء. هذا ما يحدث لسوريا والعراق. مع اختفائها ستختفي أيضًا الأيديولوجيات القومية الرسمية، العراقية والسورية، التي غذّت القوى الاستعمارية بها سكانها بشكل مصطنع، ثم قام بذلك المستبدّون الذين حكموا تلك الدول – صدام حسين وحافظ الأسد وابنه بشار.
ربما ستنهار دول عربية أخرى في الشرق الأوسط من موجة الإسلام المتطرف التي تعمّ المنطقة. سيكون شرق أوسط جديد. ربما أيضًا، ستكون هناك أوروبا جديدة – بعد أن يذبح السنة والشيعة بعضهم البعض، ويذبح كلاهما الأقليات التي نجت حتى الآن في الشرق الأوسط، عندها سيجد الملايين من البشر بيتا جديدا لهم في أوروبا.
ومن لا يحاول الهرب من منزله في العاصفة الجارية في الشرق الأوسط؟ من يفضل البقاء في مكانه وعدم المغادرة؟ الأردنيّون، الذين نجحت أجهزتهم الأمنية في وقف المتطرّفين الإسلاميين حتى الآن، وبالطبع الإسرائيليون اليهود والعرب – الذين يعيشون داخل جزيرة من السلام. والفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة أيضا.
هناك الكثير من سكان قطاع غزة الذين لا يمكنهم الخروج منها، ربما كانوا يرغبون بالانضمام إلى اللاجئين في أوروبا، ولكن الفلسطينيين في الضفة الغربية يشعرون، ربما، بأن حالهم أفضل مما لو كانوا قد انضمّوا إلى اللاجئين هناك. وماذا عن نصف مليون لاجئ في مخيّمات اللاجئين في سوريا؟ يمكن الافتراض أن الكثيرين منهم شكّلوا جزءا من تيار اللاجئين الذين وصلوا إلى أوروبا. ربما سيلحق بهم أيضًا نصف مليون لاجئي فلسطيني في مخيّمات اللاجئين في لبنان. إن مغادرتهم تعني التخلّي عن “حقّ العودة”.
وماذا عن الأيديولوجية الفلسطينية ومطالبة الفلسطينيين بدولة منفصلة بالإضافة إلى الأردن؟ ظهرت هذه المطالبة بشكل متأخر نسبيا، عام 1964، بعد سنوات من ولادة الأيديولوجية القومية في العراق وسوريا. رغم أنها الآن تحظى باعتراف دولي، كما حدث مع الأيديولوجية القومية العراقية والسورية وقتذاك، يبدو أنها لن تبقى في الشرق الأوسط الجديد.
إن مجرد التفكير بالمصير المتوقع لهذه الدولة إذا سقطت فريسة في يد متعصّبي داعش كافٍ لثني بعض مؤيدي إقامة دولة فلسطينية. هل ستنجح هذه الدولة في البقاء في الشرق الأوسط الجديد؟ الإجابة عن هذا السؤال متعلقة بإمكانية حل الدولتَين.
نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس”