لم يمنح إعلان مسؤولية تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عن العمليات في بروكسل للإرهاب عنوانا أكثر دقة ولن يؤدي إلى انطلاقة في مكافحته. يمكن الافتراض أنّ المنفذين كانوا مواطنين أوروبيين، كما يبدو بلجيكيين. حتى لو مروا بتدريبات في سوريا أو قاتلوا إلى جانب كتائب داعش، فقد عملوا في منطقة عاشوا فيها معظم حياتهم، عرفوا البيئة والثقافة، تحدّثوا باللغة المحلية. لقد طوّروا غضبا هائلا تجاه بيئتهم و/أو استوردوا أيديولوجيّة متطرفة، أقنعتهم على العمل ضدّ “الغرب”. كان هذا الغرب في معظم الوقت مركز حياتهم، حتى توجّهوا إلى طريقهم المتطرفة وفصلوا أنفسهم عن نمط حياتهم السابق، والذي تضمن في بعض الحالات أيضًا ممارسات دينية بدرجة ما. لم يكن المنفذون علماء في الشريعة أو طلاب علم شرعي، وهم يعتمدون في عملياتهم على البيئة الداعمة وفي بعض الأحيان على أفراد أسرتهم أو أصدقائهم الذين مروا بتجارب مشابهة.
إنّ زرع الخلايا الإرهابية في المجتمعات المحلية، الغربية أو العربية، هو طريقة العمل التي اعتمدتها القاعدة بقيادة أسامة بن لادن. أسس التنظيم فروعا في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وخصوصا بعد أنّ أصبح “العدوّ البعيد”، الغرب، “عدوّا قريبا” مع دخول القوات الأمريكية إلى العراق وأفغانستان. أصبحت هذه القوى هدفا مفضلا أكثر من إرسال الإرهابيين إلى ما وراء البحار – وهي مهمات باتت أكثر صعوبة بكثير، إن لم تكن مستحيلة، بعد عمليات الحادي عشر من أيلول.
ومع الانتقال إلى العمليات المحلية، وخصوصا ضدّ أهداف في دول عربية ومسلمة، غيّر الكفاح ضدّ القاعدة وجهه أيضا. فإذا كانت الأنظمة العربية في الماضي تُفضّل عرض العمليات الإرهابية في أراضيها كعمليات للقاعدة، انطلاقا من قصد مشاركة المسؤولية في القضاء على الإرهاب مع المجتمع الدولي وإزالة جزءا من المسؤولية الاستخباراتية والتنفيذية من مسؤوليتها، ففي العقد الأخير تقاتل كل دولة عربية الإرهاب انطلاقا من نهج يعتقد أنّه إرهاب محلي، والذي لا يوجد من يشارك مسؤولية كفاحه معها. هكذا تعمل مصر ضدّ التنظيمات الإرهابية في سيناء، سواء كانت فرعا لداعش أو للقاعدة وسواء لم تكن تنتمي إلى أي تنظيم مظلة. تقاتل السعودية القاعدة بكفاءة نسبية، حتى نجحت في دفعها إلى اليمن، وتعمل تونس والجزائر وفقًا لنفس الرؤيا. ولا تزال تركيا، التي تفرق بين الإرهاب الكردي وبين الإرهاب الداعشي، تحتاج إلى أن توضح إذا ما كان المواطنون الأتراك الذين نفذوا العملية في إسطنبول قد قاموا بذلك كمبعوثين من داعش أم تحت اسم أجندة معادية لتركيا، والتي جعلتهم ينضمون إلى التنظيم منذ البداية.