كلّ معنيّ بالتربية، وبشكل خاصّ بتربية وتعليم الشبّان، لا سيّما في سنوات المراهقة، لتي يتحوّل فيها الإنسان من طفل إلى بالغ، يواجه مشكلة التربية الجنسيّة. يستهلّ الإنسان العقد الثاني من حياته طفلًا لا يعرف الكثير، أو لا يعرف شيئًا عن العلاقات بين الرجال والنساء، الحُبّ، وطريقة إنجاب الأطفال. لكن في نهاية هذا العقد، في سنّ العشرين، يكون قد أضحى إنسانًا بالغًا، ذا رغبة جنسيّة وحاجة إلى حبّ. فكيف يجري تأهيله لذلك؟ كيف تجري مرافقة التطوّرات الجسدية للأطفال والطفلات وتحويلهم إلى بالغين ذوي مسؤولية وفطنة؟
إذا كانت وظيفة التربية الجنسيّة في الماضي تزويد الشابّ بالمعرفة المطلوبة والإجابات عن أسئلة، فإنّ وظيفتها في مجتمعنا اليوم هي اعتراض سَيل المعلومات الخاطئة غالبًا التي يتعرّض لها الشبّان
الجنس هو جزء لا يتجزأ من حياتنا، لكنّه ينطوي على مخاطر عديدة مثل الأمراض الجنسية، الحبل غير المرغوب فيه، العنف الجنسي، والارتباك حيال الهويّة الجنسيّة. لا ريب في أنّ الشابّ الذي يبدأ بالتعرّض للرغبات والشهوة الجنسية بحاجة إلى إرشاد يجنّبه إيذاء نفسه ومحيطه، ويساهم في تطوّره الجنسيّ النفسيّ السليم.
إذا كانت وظيفة التربية الجنسيّة في الماضي تزويد الشابّ بالمعرفة المطلوبة والإجابات عن أسئلة مثل ما هي العلاقات الجنسيّة، ما هي الأمراض الجنسية، ما هو الاستمناء، وكيف يمكن الحَمل، فإنّ وظيفة التربية الجنسيّة في مجتمعنا اليوم هي اعتراض سَيل المعلومات الخاطئة غالبًا التي يتعرّض لها الشبّان. ويتمثّل الخطر الأكبر على الشبّان في الأفلام الإباحية، التي تُنتج صورة مشوّهة، وتشجِّع على الفسق والاغتصاب.
في إسرائيل، تزداد مؤخرا التقارير حول الكوارث التي تحدث حين يلتقي النقص في التربية والجهل في المواضيع الجنسية بين الشبّان والشابّات بالفضول الهائل، ثقافة التساهُل الجنسيّ، والوسائل التكنولوجية للقرن الحادي والعشرين؛ فتلميذات مدارس عديدات، لم يتخطّ جيل بعضهنّ الرابعة عشرة، صوّرنَ صورًا مثيرة وعارية لأنفسهنّ، أرسلنَها إلى صديقاتهنّ، وذهلنَ لدى اكتشاف تسرّب الصور عبر تطبيق “واتس آب” إلى جميع زملائهنّ في الصفّ.
وتقع فتيات أخريات لا ينجحنَ في مواجهة مرحلة الانتقال المربِكة من الطفولة إلى البلوغ الجنسيّ ضحيةَ استغلال جنسيّ، وحتّى اغتصاب. ففي نصف السنة الأخير، كُشفت في إسرائيل فضيحتا اغتصاب جماعيّ نُفّذ في فتيات في الثالثة عشرة من قِبل زملائهنّ في الصفّ.
في مجتمَعات عديدة، يُنظَر إلى الجنس كموضوعٍ يجدر السكوت حياله، ووجهة النظر هي أنّ ما يجري في مخدع النوم يجب أن يُدفَن هناك
لمَ يحدث ذلك، وعلى مَن تقع مسؤولية وقف ذلك؟ من الواضح أنّ التربية الجنسيّة لا تقوم بمهامّها، ولا تنجح في اعتراض تدفّق المعلومات المشوّهة الناتجة عن الفنّ الإباحيّ. فالتلاميذ الإسرائيليون يتذمّرون من أنّ دروس التربية الجنسيّة تتطرّق إلى مواضيع مثل الدورة الشهريّة، الهرمونات، وعمليّة التكاثر والحمل، ولكن ليس إلى ما يثير اهتمامهم حقًّا: العلاقات الجنسية، الرغبة الجنسية، والاستمناء. وحين لا تقوم التربية الجنسيّة بوظيفتها، يتوجّه الشبّان إلى الموادّ الإباحية، ويستقون مِن هناك المعلومات في الشأن الذي يُثير فضولهم. والنتيجة هي نظرة مشوَّهة تشجِّع على الاغتصاب والعُنف.
لا يجب أن ننسى أنّ التربية الجنسية في كلّ مجتمَع هي موضوع مثير للجدل. ففي مجتمَعات عديدة، يُنظَر إلى الجنس كموضوعٍ يجدر السكوت حياله، ووجهة النظر هي أنّ ما يجري في مخدع النوم يجب أن يُدفَن هناك. حتّى بعد الاتّفاق على الحاجة إلى التربية على عادات جنسيّة سليمة، لا يمكن في أيّ مجتمَع الاتّفاق على ماهيّة تلك العادات، أو كيفيّة اكتسابها. فضلًا عن ذلك، الجنس هو موضوع معقَّد ومتعدّد الأوجه، ومعناه متغير من إنسان إلى إنسان، ومِن مُجتمَع إلى مُجتمَع.
التربية الجنسيّة في العالم العربي – حِكر على العلماء
في المجتمَع العربي وفي العالَم الإسلاميّ كلّه، المشكلة أكثر تعقيدًا، لأنّ موضوع التربية الجنسيّة كلّه هو بين يدَي فقهاء الدين والشريعة. لذلك، ما دام الدين لا يتيح إقامة علاقات جنسيّة خارج إطار الزواج، لا جدوى لتدريس الموضوع في سنّ الثانية عشرة أو الثالثة عشرة، حين تبدأ أولى المؤشّرات الجسديّة للجنسانيّة تظهر. وحدهم المُقبِلون والمُقبِلات على الزواج يحظَون بإرشادٍ كهذا، وأحيانًا يصلون إلى هذا الوضع، وكلّ معلوماتهم عن الجنس تقتصر على الشائعات، النكات، والقصص، التي تتناقلها الألسُن.
هكذا تظهر وتزدهر ظواهر زواج المتعة والمسيار، الذي يتيح للرجل تزوّج امرأة فقط لإراحة شهواته الجنسيّة، ليلقي بعد ذلك زوجته الجديدة كأنها سِلعة قديمة
لكن بالطبع، لا تخضع الرغبة والشهوة الجنسيّة لقُيود المجتمَع المحافِظ، ولا تنتظر بصبرٍ يوم الزواج. هكذا تظهر وتزدهر ظواهر زواج المتعة والمسيار، الذي يتيح للرجل تزوّج امرأة فقط لإراحة شهواته الجنسيّة، ليلقي بعد ذلك زوجته الجديدة كأنها سِلعة قديمة.
يتواجد موضوع زواج المتعة والمسيار في قلبِ خلاف حادّ في المجتمَعات العربيّة المختلفة، لكنّ الرأي السائد بين رجال الدين هو أنه حتّى لو كان الزواج محلّلًا وفق الشريعة، فهو باطل من الناحية الأخلاقيّة. ومن الجليّ أنّ الضحايا الرئيسيات لهذه الظاهرة المؤسِفة هنّ النساء العربيات، اللواتي يُتاجَر بهنّ كسِلع تنتقل من يدٍ إلى يد.
ثمة مشكلة أخرى ناجمة عن الآراء المقولَبة، الخرافات، والشائعات حول الجنس، التي تزيد الجهل، وتضيف قوانين وقيودًا في العالم العربي. ولا يفعل رجال الدين، الذين يُعتبَرون أصحاب السلطة الأعلى فيما يتعلّق بالجنس، أيّ أمر لدحض الأفكار الخاطئة. على النقيض من ذلك، يمكن القول إنهم يساهمون في الحفاظ عليها.
فعلى سبيل المثال، فيما العالم الغربيّ متّفق على أنّ العادة السرية ظاهرة طبيعية لدى الذكور والإناث على حدّ سواء، لا يزال الإسلام يراها خطية خطيرة. وتُعتبَر المقارنة بين النظرة الغربيّة والنظرة الإسلاميّة إلى الاستمناء مثيرة للاهتمام بشكل خاصّ. بادئ ذي بدء، تجدر الإشارة إلى أنّ ثمة كلمة تصف بوضوح هذه الظاهرة في لغات العالم، فيما ينتشر في اللغة العربية التعبير “العادة السرية”، لأنّ كثيرين يخجلون مِن هذه الظاهرة إلى درجة أنهم لا يُريدون أن يدعوها باسمها.
والمثال المثير للاهتمام بشكل خاصّ هو صفحة ويكيبيديا التي تتحدث عن كلمة “استمناء” في اللغة العربية مقارنةً بلُغات أخرى. ففي الصفحة باللغة الإنجليزية، كُتب بوضوحٍ أنّ المعلومات الحديثة تُقرّ أنّ الاستمناء غير المفرط ظاهرة طبيعية، وأنّ الأدب العلمي المعاصر يعتقد أنّه لا يسبّب أيّ أذى، بل قد يكون مفيدًا. فضلاً عن ذلك، تذكُر ويكيبيديا أنّ السلطة الصحيّة للحكومة البريطانيّة نشرت عام 2009 بيانًا في مدينة شفيلد، يدعو إلى عدم الامتناع عن الاستمناء، لأنّه مفيد إن لم يُنفَّذ بإفراط.
بالتباين، تصف الصفحة بالعربية العادة السرية كخطية خطيرة جدًّا، وتعرض الآراء التي ترى ذلك كمعلومات موثوق بها. وبين الأضرار التي يسبّبها الاستمناء وفق ويكيبيديا بالعربية: الإنهاك والآلام والضعف، الشتات الذهني وضعف الذاكرة، إفساد خلايا المخ والذاكرة، وزوال الحياء والعفة. كذلك، تدّعي المقالة أنّ الاستمناء يمكن أن يمسّ بالقدرة على تحصيل التعليم العالي والعمل الجيّد.
مع ذلك، تعترف الصفحة بالعربية في ويكيبيديا بوجود الكثير من الأفكار الدينية الخاطئة حول أضرار العادة السرية، قائلةً: “أحياناً تضطر المجتمعات المتدينة إلى الاستناد إلى معلومات غير دقيقة علميًّا في سبيل إبعاد الشباب عن الاستمناء”.
إذا كان الأمر كذلك، فهذا هو وضع التربية الجنسيّة في العالم. الشبّان عالقون بين المطرقة والسندان، بين نزعتَين هدّامتَين: الفسق والمحافَظة. فمِن جهة، لا تنجح الدول الغربية في حماية الشبّان من الفحش والأعمال البغيضة التي تميّز الأفلام الإباحيّة. ومِن جهة أخرى، تشجّع الدول التي يتحكّم فيها الدين أفكارًا خاطئة، مثقَلة بالجهل والخوف من المُتعة الجنسية. كيفما رأيتم ذلك، التربية الجنسية هي شأن مُعقَّد، لكن لا جدل في كونها ضروريّةً إلى أبعد الحُدود.