عشرات الآلاف من سكّان شرقي حلب هم اليوم في خطر حقيقي على حياتهم. ليس فقط بسب نقص الطعام والأدوية وتدمير كلّ المستشفيات في المدينة، بل بسبب عملية “تصفية الحسابات” التي بان أولها في اليومَين الماضيَين، إذ قام جنود الأسد والميليشيات الداعمة له بتنفيذ مجزرة ضدّ كلّ مَن يُشتبَه بتعاونه مع الثوّار. ينضمّ الجنود السوريون وأفراد الميليشيات إلى عصابات النهب التي لا ترحم أحدًا، بل تقتحم البيوت، تنهب كلّ من تصادفه، وتبيع مسروقاتها لكلّ مَن يرغب.
حلب، التي استولى عليها المعارضون، خضعت لنظام الأسد. ومقاتلو المعارضة سيُخلَون عبر الحافلات، مع السكان المحليين الذين بقوا في أنقاض ما كان ثاني أكبر مدينة في سوريا. وسيؤدي اتفاق وقف إطلاق النار، الموقَّع بوساطة روسية وتركية، إلى إفراغ حلب من معارضي الرئيس بشار الأسد، الذي سيتمكن بعد ثلاث سنوات ونصف من القتال من الإعلان أنّ العاصمة الاقتصادية لبلاده في حوزته.
حقّق الأسد وشركاؤه في الحرب السورية انتصارًا عسكريا وإعلاميا هائلا بحسم معركة حلب، لكنّ الحرب في سوريا بعيدة عن نهايتها، وستستمر وقتًا طويلا بعد. سبب ذلك هو رفض المعارضين أن يستسلموا، وعدم استعداد الجيش السوري للإقامة الطويلة في المناطق التي يستعيدها. فظاهرة الانشقاقات والتهرب من الخدمة العسكرية، فضلًا عن الخسائر الكبيرة في الأرواح، أدّت إلى انخفاض عديد الجيش إلى النصف مقارنةً بعدده عشية الحرب الأهلية.
“هذا هو سبب عودة العديد من البلدات والقرى التي يُخضعها جيش النظام إلى الثوار، ثمّ إلى الجيش من جديد. هذا ما يمكن أن يحدث أيضًا في حلب ومحافظة إدلب شمالي البلاد، التي هرب إليها مَن تبقى من الثوّار. فهناك ستدور كما يبدو المعركة الأساسية القادمة”، كما قدّر هذا الصباح المحلّل العسكري الإسرائيلي لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، رون بن يشاي.
الرابحون الأساسيون من انتصار الأسد في حلب هم أبناء الطائفة العلوية وأقليات أخرى، بينها السُّنة من الطبقة الوسطى الذين يكسبون رزقهم بفضل النظام. توفّر السيطرة على حلب ميزات استراتيجية عديدة للنظام. فالمدينة شكّلت جبهة لوجستية وعملياتية للجيش السوري، فيما يقطع سقوطها في يد النظام عن الثوار قواعد إمدادهم في تركيا. لكن بادئ ذي بدء، يبرز الإنجاز المعنوي، الذي يرفع معنويات الأسد ويقضي على الروح القتالية لمعارضيه، الذين يُذبَحون في هذه الأيام شرقي المدينة مع المواطنين المحليين.
الروس أيضًا رابحون من حسم المعركة على المدينة. فوفق منهجية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تعزّز القوة الجوية التي أرسلها إلى سوريا قوة الأسد في السلطة، لكنها بالمقابل تحافظ على تبعية السوريين لسوريا.
في المعركة القادمة التي ستكون إدلب مسرحها كما يبدو، سيستمرّ الروس في طريقة الغارات الثقيلة وعديمة التمييز من الجوّ، فيما يواصل الجيش السوري والميليشيات الشيعية زحفها نحو المدينة، ساحقةً كلّ من يجرؤ على معارضة النظام أو يُعتبَر كذلك.