أحد المسلسلات المشهورة في العالم العربي في شهر رمضان هو “باب الحارة”. شخصيات هذا المسلسل السوري الذي يبث في موسمه السابع تتغير طوال الوقت – أما صورة الشرطة المحلية التي تعمل برعاية الانتداب الفرنسي لا زالت على حالها. فالضابط المسؤول في الحي شخص فاسد، ولا يساهم في إرساء أمن المواطنين. لذا بدأ سكان الحي في حل المشاكل بأنفسهم مثل النزاعات وحالات الجريمة الخطيرة، وحتى أنهم يتخلون عن أعمال الشرطة كليا مما يؤدي في أحيان كثيرة إلى مواجهات ونزاعات.
حدثت حالة شبيهة مؤخرا في كفر قاسم. بات يعاني سكان المدينة في السنوات الماضية من عنف قاس يتضمن إطلاق النيران وأصبحوا مقتنعين أن منظمات الإجرام وعائلات الإجرام مسؤولة عن جزء من حالات القتل في السنوات الماضية. منذ بداية السنة، قُتل سبعة مواطنون من كفر قاسم حيث قتل ستة أشخاص على خلفية جنائية، ولم يتم الإبلاغ عن تحليل ملابسات الحادثة.
كان قتيلان، ناشطين في لجنة الحماية المحلية التي تعمل برعاية البلدية منذ سنوات، وفي السنتين الماضيتين أصبحت نشطة أكثر. يقول نشطاء في اللجنة وفي البلدية إن الحديث يدور عن مجموعة تعمل على ملء الفراغ الذي تركته الشرطة. وفق أقوالهم، تؤدي لجنة الحماية دورا رئيسيا في حل النزاع ومنع العنف. يعتقد سكان كفر قاسم أن هذا النشاط أدى إلى نزاع مع عناصر الإجرام المنظم مما أسفر عن سقوط ضحايا.
سواء كان ضروريا أم لا، تؤكد إقامة اللجنة على نقص الثقة التي يشعر بها سكان المدينة إزاء الشرطة. في كفر قاسم، خلافا للبلدات العربية الأخرى، مركز شرطة محلي. ولكن بدلا من أن يساهم المركز في دب الثقة في نفوس المواطنين، فالنتيجة عكسية تمامًا. تزيد الحادثة التي طرأت في بداية الأسبوع التي قتل فيها حارس في مركز الشرطة أحد سكان المدينة، محمد طه، من الشعور بالنفور.
تعمل شرطة إسرائيل منذ أشهر على تجنيد أفراد شرطة عرب وفتح مراكز شرطة جديدة في البلدات العربية. ظاهريا، يبدو أن هذه الخطوة ضرورية لتحسين الخدمات والأمن ولكن فعليا لا يأتي هذا المشروع بثماره. السبب بسيط: لا يتعين على الشرطة زيادة الموارد فحسب بل عليها تغيير سياستها تجاه المواطنين العرب الذين هم مواطنو الدولة ولا يشكلون تهديدا أمنيا. يجب على الشرطة نشر نتائج محاربة الجريمة المنظمة وإحداث تغيير جذري في تعاملها مع المجتمَع العربي. في الدولة العصرية والعادلة يجب أن تعمل مراكز الشرطة لخدمة الجميع ويحظر أن تعمل مراكز لليهود وأخرى للعرب؛ على هذه المراكز أن تعمل في أرض الواقع وليس بالأقوال فقط.
إلى جانب ذلك، على المجتمع العربي أن يواجه أسئلة صعبة أيضًا، وأن يعرف أن الشرطة تشكل عاملا هاما في مكافحة العنف، وحتى أنها ليست الوحيدة. بات النسيج الاجتماعي قابل للتفكك، وتتجذر الجرائم المنظمة في أجزاء كبيرة من المجتمَع. تنجح منظمات الإجرام في العمل في الكثير من البلدات بسبب نقص الأطر الملائمة للكثير من الشبان والتعليم غير الملائم.
يجب أن تتصدر التربية، الثقافة، الحوار العام، والاستثمار في الجيل الشاب سلم الأفضليات لدى الزعماء المحليين والدينيين. يظل المجال العام الذي لا يتصدر سلم أفضليات الجيل المثقف والمؤثر مشتعلا. إذا فهم كلا الجانبين الرسالة ووجدا عاملا مشتركا عندها يمكن التحدث عن مستقبل متفائل أكثر. وإلا ستشكل الأحداث في كفر قاسم حلقة في مسلسل ينزف دما.
نُشر هذا المقال للمرة الأولى في موقع هآرتس