نُشرت في الأسبوع الماضي عدة مقالات تحليلية، والتي وفقا لها لا تؤكد الهجماتُ الدموية في باريس نظرية “خطر الإرهاب الإسلامي” الذي يجتاح الغرب. لست أرغب في الجدال بهذه الأمور، أظن أن في الأديان والمذاهب الفكرية عنصرا بنيويا لإقناع الآخر “بأن يرى النور”، وفي وقت ما سيقوم المفسر أو المفكر الذي سيقترح تحقيق ذلك بالعنف. في ظروف دنيوية معينة، كما اقترح شيزاف، يمكن أن ينجح في جذب المؤيدين والجنود.
لكني أريد إلقاء الضوء على زاوية ما مهمة في نظري. الرغبة المبارَكة في “رؤية الجانب الآخر” تحرك التعديين، لكن الكثير منهم لا باعَ له في الحوار العربي-الإسلامي، ويخشى أن يكونوا عُمياء عما يعكس هذا الحوار أحيانا كثيرة من اتهامات “غربية” بالطبع. يبدو أن في التخبط النفسي الداخلي الإسلامي والداخلي العربي تبرز نفس الأسئلة “التعميمية” التي يود الليبراليون والتعدديون الغربيون الابتعاد عنها.
تعود الأيديولوجية السلفية- الجهادية، التي أنجبت القاعدة وداعش، في جذورها السياسية إلى لاجئي الإخوان المسلمين الذين فروا من مصر إلى السعودية في سبعينيات القرن العشرين (تعود من ناحية فكرية إلى زمن أسبق). المسلمون غير السلفيين هم الهدف الأول والرئيسي للسلفية الجهادية، والأداة المركزية لتحقيق هذا الهدف هو الإكراه والعنف. إن تجاهل هذه الأيديولوجية- رغم أنها ظهرت في أحد المقالات التي ذكرتها مع جملة “داعش متعلقة بتطورات العالم العربي والإنترنت”، وإهمالها، قد كلفا ملايين المؤمنين في العالم العربي هذه الأعمال الفظيعة التي تعد عشرات أضعاف تلك التي عرفها الغرب، مما أدى بكثير منهم للتكفير عن الذنب وأن يسألوا أين أخطأوا. للمفارقة، كان الإخوان المسلمون أكثر من لديهم الجاهزية للتعامل مع السلفية الجهادية، لكنهم قُمعوا بنجاح من قبل أغلب الأنظمة العربية المحافظة في السنتَين الماضيتَين. إن أغلب الأنظمة العربية المحافظة، ما عدا في الأردن، يتعاملون مع السلفية الجهادية بمزيد من القوة والعنف، والذي لا يزيدهم إلا تقوية، وخاصة في غياب بديل إسلامي آخر.
تغمر الكثير من الأسئلة في الأسبوع الأخير الحوار العربي العام بخصوص شارلي ايبدو. أحد الأسئلة الرئيسية الذي يعرف القراء والقارئات ما فيه من فكرة: لماذا حين سخر رسامو شارلي ايبدو من كل الديانات، رد فقط المسلمون بعنف؟ يفسر الكثير من المتصفحين والكاتبين رد الفعل العنيف هذا في إطاره الدينوي (الزمان والمكان). يقترح كثيرون آخرون نظرية المؤامرة (وهي أفعال من صنع الموساد الإسرائيلي هدفها تشويه الإسلام). لكنّ هناك عدد غير قليل من المتنبهين الذين ينبهون رفاقهم: افتحوا أعينكم، ليس الآخر فقط مُلاما. عدم قدرتنا “نحن” على تقبّل آراء الآخرين، و”ميلنا” للهرب من النقد الذاتي، هما اللذان وصلا “بنا” إلى هذه الأيديولوجية.
هل “يُسمح” للمسلمين بالتعميم على أنفسهم ولا يُسمح للغرب بالتعميم عليهم؟ ربما نعم أم لا. هذه ليست النقطة. النقطة هي أن الأزمة لدى المؤمنين بالإسلام على ضوء العنف السلفي الجهادي هي حقيقية، وكذلك تخبطهم الداخلي. لا يُساهم تجاهل الأسئلة التي يزداد أكثر فأكثر عدد المسلمين الذين يطرحونها في أرجاء العالم ، حسب رأيي، في فهم القصة كاملةً.
في العربية يقول المثل: اللي إيده في المي مش زي اللي إيده في النار. وهكذا، ليست إسرائيل والغرب الهدف الرئيسي للسلفية الجهادية، المتمثلة في المرحلة الحالية بتنظيم الدولة الإسلامية، وإنما المسلمون المؤمنون من غير السلفيين. “خطر الإرهاب الإسلامي” لا يُهدد الغرب حقا. إنه يُهدد أولا وأخيرا مئات ملايين المسلمين في الشرق الأوسط العربي. بل إن مئات منهم قد ذاقوا وبال أفعاله. لذا يجدر الإنصات لما لدى المهددين الرئيسيين من كلام عن هذا الخطر. ربما نتعلم شيئا جديدا.
نُشرت المقالة للمرة الأولى في موقع Canthink