اليوم صباحا (الإثنين)، صُدِم إسرائيليون كثيرون عندما شاهدوا عناوين الصحف ونشرات الأخبار التلفزيونية في ساعات الصباح الباكرة. نُشِرت في التلفزيون والصحف الرائدة صورة رئيس دولة إسرائيل، رؤوفين ريفلين، وهو يعتمر الكوفية بالأبيض والأسود.
وكتُبت عناوين لافتة بشكل خاصة: “صورة الرئيس ريفلين مع الكوفية – والشرطة تفتح تحقيقا”، “ريفلين يعتمر الكوفية – التحريض آخذ بالازدياد”. في المجتمَع الإسرائيلي تُنسب الكوفية مباشرة إلى النزاع الإسرائيلي الفلسطيني والتحريض على العنف. مَن يُشتبه بأنه يساري أو يدعم تطبيع العلاقات مع الفلسطينيين يُعرض في العادة في المجال العام الإسرائيلي باعتباره يعتمر الكوفية. هكذا كان الحال، قبل أسابيع قليلة من اغتيال رابين. رسم جمهور متحمس رئيس الحكومة الإسرائيلي الراحل، إسحاق رابين، وهو يعتمر الكوفية السوداء (المعروفة بـ “كوفية عرفات” حينذاك) وحرض على إلحاق ضرر بأية محاولة له أو لشريكه في عملية السلام، ياسر عرفات، للتوصل إلى اتفاق سلام وتطبيع العلاقات مقابل إعادة الأراضي.
وتشير الكوفية السوداء والبيضاء إلى دلالات سلبية في المجتمع الإسرائيلي، في المقابل، ترمز في المجتمع الفلسطيني إلى النضال، الهوية والفخر الوطني. لهذا كان من الصعب اليوم صباحا (الإثنين) على الإعلام الفلسطيني أن يفهم لماذا تثير صورة ريفلين وهو يعتمر الكوفية رسالة تحريضية وتشجع على العنف.
الكوفية – رمز الهوية الوطنية الفلسطينية
أصل الكوفية ليس معروفا بشكل واضح. ومع ذلك، كان من المتبع استخدامها في شبه الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام، فضلا عن أنها كانت معدّة لحماية الرأس والوجه من الرمل والغبار في صحاري المنطقة. لهذا فإن طريقة ارتدائها الفريدة من نوعها، تسمح بتغطية الوجه بسهولة عند الحاجة، عن طريق تحريك القماش من جانب إلى آخر. وقد استخدمها المزارعون الفلسطينيون لحماية أنفسهم من الشمس الحارة في الصيف ومن البرد في الشتاء.
اليوم، عندما أصبح يُصنّع معظمها في الصين وأصبحت تستورد إلى فلسطين، يمكن العثور على الكوفية ذات أنواع أقمشة مختلفة. كانت الكوفية الأصلية مصنوعة من القطن، وفي بعض الحالات مزيج من القطن والصوف.
ولكن ما زال تصميمها يتميز بثلاثة أنماط رئيسية: البيضاء وهي الأكثر شيوعا اليوم، لا سيّما في دول الخليج، المزينة باللونين الأحمر والأبيض، والمستخدمة بشكل أساسيّ في الأردن حاليا، وذات اللونين الأبيض والأسود والمعروفة جدا لدى الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وبين المواطنين العرب في إسرائيل.
لم تثر الكوفية بالأبيض والأسود قلقا لدى الشرطة الإسرائيلية والمنظمات اليسارية وبعض الشخصيات السياسية والقانونية الرائدة في إسرائيل بعد نشر صورة ريفلين وهو يعتمرها، بل ما أثار قلقها هو أهميتها السياسية والتحريضية من قبل من يسعون إلى زعزعة مكانة ريفلين. إن مَن عمل على إعداد الصورة ونشرها بهدف نعت ريفلين بصفته “خائن” أو “مؤيد النضال الفلسطيني”. أصبحت الكوفية، لا سيّما ذات اللونين الأبيض والأسود، منذ فترة طويلة أهم وأبرز رموز الهوية الفلسطينية.
اعتمد ياسر عرفات الكوفية في أوائل الستينيات كرمز للهوية الفلسطينية والنضال من أجل التحرير. وجعلت الناشطة في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطيني، ليلى خالد، التي اشتهرت بمحاولاتها لاختطاف الطائرات الإسرائيلية في السبعينيات، الكوفية رمزا جندريا، بعد أن استخدمتها كحجاب يرمز إلى نضال النساء الفلسطينيات.
بدءا من زي وطني وصولا إلى ملابس عصرية
إن الكوفية التي أصبحت بسرعة رمزا للنضال من أجل حقوق الإنسان، أضحت جزءا من الموضة العصرية. منذ السنوات الأولى من الألفية الثانية بدأ العديد من المشاهير في العالم بارتدائها كقطعة في الموضة مثل قطع الملابس الأخرى. في وقت لاحق استُخدِمت في تصاميم شبكات الأزياء الكبيرة في العالم: مثل شركة “زارا” وحتى شركة الملابس الإسرائيلية “كاسترو”.
وبطبيعة الحال، فإن العديد من النشطاء الفلسطينيين لا يحبون فكرة استخدام الكوفية كقطعة أزياء عصرية، لأنها حينها لا تعبّر عن النضال الفلسطيني الذي يرون أنها ترمز إليه. يضع الشباب في أنحاء العالم الكوفية على رقبتهم، دون أن يعرفوا أنها غطاء الرأس الذي أصبح رمزا للنضال من أجل التحرر الوطني الفلسطيني.
وفي النهاية نقدّم لكم مفاجأة صغيرة: على الرغم من أن الكوفية كانت رمزا للنضال الفلسطيني والهوية الفلسطينية طيلة سنوات، إلا أن القادة اليهود استخدموها قبل نحو مئة عام وحتى يومنا هذا. وكان الزعيم اليهودي، حاييم وايزمان، رئيس الوفد الصهيوني إلى فلسطين حينذاك، يعتمر الكوفية خلال لقائه مع الأمير فيصل في عام 1918. كذلك هناك صورة لديفيد بن غوريون، أول رئيس حكومة إسرائيلي، وهو يضع الكوفية على رقبته. وبالطبع هناك صور للجنرال الإسرائيلي إيغال آلون وهو يرتدي الكوفية.
سواء كان الحديث يجري عن نضال سياسي أو وطني أو مجرد قطعة في الموضة، فإن الكوفية ستظل قيد الاستخدام ونفترض أن رموزها المختلفة ستتغير مع مرور الوقت.